لقدْ عَدَلتُ في إطلالتي الماضية من هذه السلسلة الكتابية عن زيارتي لمدينة بومديد العزيزة والحبيبة يومي السبت والأحد الماضيين عن الكثير والكثير من الطرف والنوادر سجّلتها من هنا وهناك في كل دروب هذه الرحلة الشيّقة والجميلة وفي شتى مساراتها وميادينها...
مع اقتراب يوم التصويت على التعديلات الدستورية؛ ترتفع وتيرة التنافس بين الفرقاء وتتولد وتتعدد أساليب التعبير؛ من زيادة في الحشد والتعبئة وتكثيف المبادرات وتنوع رعاتها ومسمياتها في أحد الجوانب، إلى لزوم مباني وإدارات، واعتماد المكث والاعتصامات في الجانب الآخر.
إنّ المتتبِّعَ لِما يُنشَر بواسطة هذه الوسائل (فيسبوك بصفة خاصة)، لا بد أن يخرج بالملاحظات الآتية:
وجود مادة غزيرة تتضمن الغَثَّ والسّمينَ، الأمر الذي يتطلب من القارئ المستنير أن يختار بعناية الموضوعاتِ التي تفيده في دُنياه أو أخراه-أو هما مَعًا-وهي موجودة لله الحمد، لكن صَدَى المنشورات ذات المضامين السلبيةيطغى في بعض الأحيان على الجوانب الإيجابية...
يقال أنه في زمن الرئيس السابق معاوية ولد الطائع وقفت امرأة شاحبة وسط مهرجان منظم من طرف الحملة الرئاسية للسيد محمد محمود ولد اماه وقالت بأعلى صوتها " عاش معاوية " فرد عليها ولد اماه بقوله " لكنك أنت للأسف لم تعيشي " ومنذ ذلك الوقت أصبحت هذه الحكاية تلعب دورها في الأدب السياسي الموريتاني ، بل إنها أسست لقاعدة الحياد الإيجابي أوالتفرج الشعبي على المشهد السياسي إذا كانت اللعبة في جوهرها تخدم الفرقاء السياسيين لوحدهم دون أن يستفيد الوطن والمواطن .
أكد الرئيس المرتبك في خطابه في مهرجان نواذيبو بأن المعارضة الموريتانية هي معارضة خيالية، وبأنه لا وجود لها إلا على الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وبأنها عبارة عن أشخاص يبدلون أسماءهم وصورهم، وبأنهم من كثرة تبديل الصور نفدت عليهم صور البشر فاضطروا لوضع صور القطط.
هذا الخطاب الغريب يؤكد مدى الارتباك الذي يتخبط فيه الرئيس، ومدى انزعاجه من تصاعد أنشطة المعارضة ومن تنامي الدور الذي يلعبه
من المبالغة الممجوجة القول بأن الوطن يتجه بمنحى كارثي، ومن التجني أن نبيح لأنفسنا- إذا نحن عارضنا- وصف غيرنا بالفساد والاستبداد والحكم بالحديد والدم والنار.
التغرب عن الأوطان لا يجيز احتقارها ولا التحامل على كل ما فيها وخلطه بخلاط الحقد الذي لا يميز الخبيث من الطيب، لا يعترف بالحاصل ولا يتفاءل فيستشرف المؤمل، بل يعتمد على ردم كل ما هو مضيئ، وتقديم كل الأشياء وإن كان فيها الجيد المنير على أساس أنها حفر وبؤر مظلمة.
فالشعب الموريتاني , لا يحتاج غرفة مجلس شيوخ و لا غرفة نواب و دساتير الغرب لا تصلح لنا , فنحن بدو و قبائل حديثي العهد بالدولة ووراء ظهورنا ماضي و تراكمات لوقت قريب كان المنزل خيمة هي السكن و هي صالة الاجتماعات وفي نفس الوقت غرفة النوم و المطبخ , فمن الظلم و الإجحاف بنا تطبيق علينا عمليات " النسخ واللصق " التي جلبت إلينا ديمقراطية الغرب , فلنا ديمقراطيتنا " علي طريقتنا " و لهم ديمقراطيتهم لا تصلح لنا و لا نحن نصلح لها , ومن الغريب و قد يكون مضح
المتابع لأنشطة هذه الحملة الباهتة ولخطابات الرئيس المرتبك في عدد من ولايات الوطن سيجد نفسه محاصرا بعدد من الأسئلة التي تبحث ـ وبشكل ملح ـ عن أجوبة، ومن بين تلك الأسئلة التي ستحاصره:
(1) لقد تكرر في خطاب الرئيس المرتبك وفي كل الولايات بأن المعارضة هي المسؤولة عن هذا الواقع الصعب الذي تعيشه موريتانيا اليوم، وذلك بسبب سوء تسييرها في العهود الماضية. تكرار هذا القول جعلني أتساءل إن كان الذي حكم موريتانيا
غادرت مدينة كيفه الحبيبة عاصمة ولاية لعصابه مساء السبت الفارط رفقة بعض الإخوة الأعزاء والساسة النبلاء في رحلة تضامنية بلْ وتواصلية مع الإخوة الأشقاء والسادة الفضلاء في مقاطعة بومديد مهد الشهامة والصدق والعهود والإيباء..ومنبع العلم والحلم والزهد والتعبد والتفرّد والتجرّد والوفاء.. وحاضرة الشموخ والرسوخ والتميز والتّألق والعطاء...,
أولئك آبائي فجئني بمثلهمْ***إذا جمعتنا يا جرير المجامعُ
ينعقد إجماع قادة الإخوان وساستهم في هذه الآونة على عدم مشروعية تعديل الدستور من وجهة النظر القانونية والمنطقية، حسب اجتهاداتهم. والغريب أن هذا الإجماع لا يندرج في سياق موقف تتبناه الحركة مع أو ضد تعديل الدستور (وهو حق مكفول لهم)، بل يتجاوز ذالك ليأخذ شكل حكم جازم بعدم جواز المساس بوثيقة الدستور. وهذا السلوك الإستثنائي ـ حتى لا أقول الشاذ ـ يطبع مواقفهم عادة من القضايا المطروحة للنقاش والتصويت.