خلال آخر مهرجان أقامه الرئيس في ساحة "المطار- بدل الضائع"، محاولا بكل الوسائل أن يكون ختاما مسكا لحملته الساعية إلى تمرير التعديلات الدستورية، لاحظنا سعيا جادا لحرطنة المشهد. فالافتتاح كان بآي من الذكر الحكيم على لسان قارئ حرطاني، وبعد الافتتاح الرسمي، من قبل مدير حملة نواكشوط، مُنح الكلام لحرطاني آخر (بيجل ولد هميد) ليدشن أول تدخل سياسي دعائي.
أما الربط فكان من نصيب حرطاني مذيع. وعندما أريد للنتائج أن تعلن، كان لابد لولد اسويد أحمد أن يقرأها، ليس لأنه يرأس اللجنة "المستقلة"، لكن فقط لأنه حرطاني. هنا وقعت الورطة، فالرجل لا يجيد، أو لا يقرأ، أو لا يريد أن يقرأ، أو لا يرتاح عند قراءة العربية بسبب تنشئته الفرانكوفونية.
وبالتالي جرت العادة، منذ إنشاء هذه اللجنة، أن يكلف المستشار بدنّه بقراءة المحضر، غير أن قراءة بدنّه لهذا المحضر بالذات ستفوّت فرصة إكمال اللوحة المتعلقة بحرطنة مسار التعديلات. فإما أن يعلن ولد اسويد أحمد عن النتائج باللغة الفرنسية فيدوس النظامُ القوانين والأعراف القاضية بنشر كل ما هو رسمي باللغة العربية، لكنه بذلك يكمل الاستراتيجية المتعلقة بإقحام الحراطين في المسار، وإما أن يقرأها بدنّه فيتم احترام القانون والأعراف، لكن النظام، في هذه الحالة، سيخسر رهان الحرطنة. إذن فكّرَ "النظامُ العميق" فاختار دوس القانون والأعراف بقراءة المحضر باللغة الفرنسية، لكن بصوت وصورة حرطاني، بغية إكمال لوحة تظل أهدافها البعيدة غامضة.
وهكذا بدأ مسار حرطنة التعديلات بقارئ حرطاني، فمر برابط حرطاني، و"بوليتيكي" حرطاني، وانتهى بمعلِن حرطاني. وفي خضم ذلك، تبعثرت نقاط الاستفاهم، هنا وهناك، كما هو دأبها منذ تأسست ولم تتأسس، وولدت ولم تولد، وماتت ولم تمت الدولة الموريتانية. وكم رجوت أن أكون مخطئا عندما تذكرت، وأنا أنظر في تفاصيل خطوط هذه اللوحة، أن الاستراتيجيين العسكريين الفرنسيين، لما حميّ وطيسُ المعارك مع ألمانيا، خلال الحرب العالمية الثانية، دفعوا بالمجندين السينغاليين والغرب إفريقيين إلى الجبهات الأمامية على خط النار. وحتى إذا كنت مخطئا، فهل ثمة محلل يسعفني بمعنى أن يُزج بالحراطين، دون وعي منهم، في مقدمة الشهود العدول على "موت التاريخ"، وأن يُرمى بهم في الصف الأمامي: على رأس مشيعي "جنازة المسكين"؟.