يقال أنه في زمن الرئيس السابق معاوية ولد الطائع وقفت امرأة شاحبة وسط مهرجان منظم من طرف الحملة الرئاسية للسيد محمد محمود ولد اماه وقالت بأعلى صوتها " عاش معاوية " فرد عليها ولد اماه بقوله " لكنك أنت للأسف لم تعيشي " ومنذ ذلك الوقت أصبحت هذه الحكاية تلعب دورها في الأدب السياسي الموريتاني ، بل إنها أسست لقاعدة الحياد الإيجابي أوالتفرج الشعبي على المشهد السياسي إذا كانت اللعبة في جوهرها تخدم الفرقاء السياسيين لوحدهم دون أن يستفيد الوطن والمواطن .
ومن هنا فلا غرو إذا كانت الجماهيرغير مكترثة بما يدور بين النظام والمعارضة في هذه الأيام لأن كلا الطرفين لم يطالب بالقضايا التي تهم الشعب ، ذلك أن الخط الأحمر ليس له حظا في سلم التفضيلات لشعب يعاني وأمة قد يتعرض نسيجها الاجتماعي للتفكك بسبب إنشاء المجالس الجهوية التي تعد خطرا يهدد الوحدة الترابية الموريتانية بسبب الاستقلال الجزئي للأقاليم عن بعضها ، والمبالغة المفرطة في الخصوصيات التي تضع الولايات في الإطارالمنعزل لتؤدي ببعض الأقاليم إلى المطالبة بالانفصال .
كذلك فإنه من نافلة القول أن أطيافا كثيرة في معارضتنا الوطنية المحترمة التي لا يجمعها ناظم واحد قد تأكد في هذا الدور ـ على الأقل ـ أن حرصها على الدستور تسوده الإنتقائة والبرغماتية ، ذلك أن دفاعها المستميت عن المادة 99 من الدستور التي هي محل خلاف بين فقهاء القانون الدستوري بسبب منطوق المادة 38 ، لم نجد له مثيلا عندما يتعلق الأمر بانتهاك النظام للمادة 6 من الدستور التي لا يوجد خلاف فقهي على دلالتها ذلك أنها تنص صراحة "على أن اللغة الرسمية هي العربية ، واللغات الوطنية هي العربية والبولارية والسوننكية والولفية ".
وعليه فإن عدم اهتمام المعارضة بهذه المادة من الدستورالتي تتعلق بهوية موريتانيا ولغة دينها الحنيف بنفس الهمة التي وقفت بها في وجه النظام عندما نظم حملته الأخيرة بغية الاستفتاء على التعديلات الدستورية يعتبر محاباة لبعض مواد الدستور، ذلك أن النظام ينتهك في كل زمان وفي كل مكان من البلاد دستور موريتانيا من خلال الاستهانة باللغة العربية ، ويستعيض عنها بلغة المستعمر الذي يفخر الجميع بالاستقلال عنه ! ذلك أن اللغة الفرنسية ظلت سائدة حتى الآن في القطاعات الإدارية والاقتصادية والمالية ومتستخدَمةُ في جميع وسائل الإعلام وكافة مراحل التعليم .
ونظـرا للمواقع التي تحتلها هذه اللغة فقد تم الإعتراف بها لغة للترقية الاجتماعية بدونها يصعب على المرء أن يشق طريقه في المجتمع الموريتاني ومع هذا لم تطالب المعارضة بوضع قانون ينظم ترسيم اللغة العربية حتى تكون الوثيقة المقدمة باللغة العربية هي الوثيقة الرسمية وحدها ، أما الوثيقة المقدمة بأي لغة أخرى فتكون غير ملزمة لأنها لم تعد رسمية ، وكذلك الحال بالنسبة لتصريحات المسؤولين الحكوميين فيجب أن لا تكون ملزمة إلا إذا كانت باللغة العربية ، وهذا ما نشاهده عند بعض الدول التي تحضر المترجمين أثناء تصريحات المسؤلين التابعين لها في الخارج .
ومع ذلك فإن انتهاك الدستور من خلال عدم الإكتراث بالمادة 6 يعد دون شك تفريطا في مكتسباتنا الوطنية وتجنيا على مقاومتنا الثقافية وشعبنا الأبي الذي وقف سدّا منيعا في وجه اللغة الفرنسية المعادية للنهج الإسلامي الحنيف ولغة القرآن الخالدة ، حيث خاض هذا الشعب معركة التعريب ، وذلك من خلال تنظيم المظاهرات الاحتجاجية والتغلغل ، في الأوساط الجماهيرية والكتابة على الجدران ، فضلا عن الإضرابات العمالية والمدرسية للضغط على الحكومات الموريتانية لاتخاذ الإجراءات الكفيلة بفرض التعريب ، والتخلي عن سياسات التبعية ، وواجه أبناؤه في سبيل ذلك الهدف كافة أنواع التعذيب والسجن والمضايقات والتشريد والطرد من العمل و الدراسة.