أكد الرئيس المرتبك في خطابه في مهرجان نواذيبو بأن المعارضة الموريتانية هي معارضة خيالية، وبأنه لا وجود لها إلا على الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وبأنها عبارة عن أشخاص يبدلون أسماءهم وصورهم، وبأنهم من كثرة تبديل الصور نفدت عليهم صور البشر فاضطروا لوضع صور القطط.
هذا الخطاب الغريب يؤكد مدى الارتباك الذي يتخبط فيه الرئيس، ومدى انزعاجه من تصاعد أنشطة المعارضة ومن تنامي الدور الذي يلعبه
المدونون ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في تنوير الرأي العام.
حديث الرئيس المرتبك عن غياب المعارضة على أرض الواقع دفعني لأن أكشف لسيادته عن بعض التسريبات الخاصة بي، والتي تؤكد بأن المعارضة تتمدد وتتسع بشكل سريع ولافت.
التسريب الأول
وأنا أقف على الرصيف في انتظار سيارة أجرة توقفت بقربي سيارة فاخرة وطلب مني صاحبها الصعود ليوصلني حيث أريد..صاحب السيارة عرفني على نفسه وقال بأنه رجل أعمال وأنه يعرفني من خلال متابعته لما أكتب.
ما صدمني خلال هذا اللقاء هو أن رجل الأعمال قال لي ومن بعد اللحظات الأولى من التعارف بأنه ما حقد في حياته إلا على شخص واحد وهو الرئيس الحالي، وإنه يتمنى أن لا ينجح له أي حوار مع المعارضة، وأن يستمر في مساره الأحادي الحالي وفي انقلابه الدستوري حتى تكون نهايته مأساوية!!
لقد انزعجتُ من مستوى الحقد الذي تحدث به رجل الأعمال، ولكن المقلق في الأمر هو أن الرئيس المرتبك يشجع معارضيه على أن يحقدوا عليه، فهو بدلا من أن يجعل ما تبقى من مأموريته الثانية فترة للمصالحة ولتهدئة الأجواء مع المعارضين من أجل الخروج الآمن من السلطة، أرادها أن تكون فترة لتعميق الخلاف ولتوتير الأوضاع من خلال التمادي في المسار الأحادي الذي سيضع البلاد أمام منزلق خطير.
ذلكم عن الصادم في حديث رجل الأعمال، أما عن الطريف في حديثه فقد قال لي بأنه قد فكر مرة في أن يقول للرئيس في إطار لقاء كان سيجمعهما بأن هناك ثلاثة قطاعات اقتصادية هامة هي : 1 ـ الزراعة والثروة الحيوانية؛ 2ـ الصيد البحري؛ 3 ـ المعادن، وأنه على الرئيس أن يختار أحد هذه القطاعات لتكون كل عائداته للرئيس ولمقربيه بشرط أن يبعد القطاعين الباقيين عن النهب والفساد، ولو أن مثل ذلك حصل لاستفاد الرئيس ولاستفادت موريتانيا والتي يكفيها لتغيير حالها نحو الأفضل أن يتم تسيير أحد هذه القطاعات الثلاثة بشكل شفاف.
التسريب الثاني
لقائي مع رجل الأعمال هذا تزامن مع أزمة صحية ألمت بصديق لي ـ اسألوا الله له الشفاء ـ نقل على إثرها من إحدى الولايات الداخلية في سيارة إسعاف إلى أحد مستشفيات العاصمة..ذهبت لزيارة الصديق ولكني وصلت إلى المستشفى بعد وقت قصير من انتهاء موعد الزيارات وغلق أبواب المستشفى .. طلبت من البواب أو الحارس الموجود عند الباب أن يسمح لي بالدخول لوقت قصير جدا، فقال لي ومن يضمن لي أنك لن تطيل البقاء؟ فقلتُ له بأني على موعد مع قناة تلفزيونية، وقد كنت بالفعل على موعد مع إحدى القنوات في نشرتها الإخبارية، وكان عليَّ أن أسرع للوصول في الوقت المناسب ولولا حالة صديقي الحرجة لأجلت زيارته إلى موعد آخر.
الحارس سألني ـ بعد أن حدثته عن موعدي مع القناة التلفزيونية ـ إن كنت مواليا أو معارضا؟ فقلتُ له بأني معارض، ففاجأني بأن قال لي ادخل..أحد الراغبين في الدخول التقط شيئا من حديثي مع الحارس، ولكنه ظن بأني قلت للحارس بأني من داعمي النظام فسمح لي بالدخول، ولذلك فقد تقدم إلى الحارس وقال له بأنه هو أيضا من الحزب الحاكم ويريد الدخول، فلم يكن من الحارس إلا أن قال له ما دمتَ من الحزب الحاكم فإنك لن تدخل الليلة.
كانت هذه أول مرة أحصل فيها على تمييز إيجابي لأني معارض.اللافت للانتباه هو أن يتجرأ بواب أو حارس بإدخال معارض وبمنع موال من الدخول، فمثل ذلك قد يسبب له مشاكل كثيرة في عمله وفي مصدر رزقه.
هذان مثالان سريعان أقدمهما للرئيس المرتبك بعد خطابه في مهرجان نواذيبو، وهما يؤكدان بأن المعارضة الموريتانية توجد خارج مواقع التواصل الاجتماعي، وبأنها توجد بالفعل على أرض الواقع، توجد في صفوف الأثرياء كما توجد في أوساط الفقراء من أمثال هذا الحارس.
حفظ الله موريتانيا..