إن حاجة موريتانيا للقمة العربية قد تكون بحق أكثر مما يعتقد الشعوبيون وفلاسفة القعود مع الخالفين ،الذين ينشرون الآراء المغشوشة ، ذلك أن العمق الإستراتيجي شرط أساسي من شروط التقدم وتحقيق الأهداف المرجوة من مشروع التنمية والتحرر ، حتى ولو كانت المآخذ والملاحظات السلبية في الوقت الراهن متجذرة في العمق العربي فإنه لا بديل عنه ، وسوف يكون مفيدا وأصيلا إذا تم تفعيله بشكل جيد خصوصا أن شعار الوحدة التي تتخطى الذاتيات صار في كثير من الحالات ممارسة تقدمية فعلية وتأكيدا للإستقلال .
من هنا فإن خشية البعض من الدخول في الخطوب العربية من خلال عقد قمة عربية في بلادنا ، قد يوصف بأنه تحلي بالاستكانة إلى أبعد حد ، وتخلي عن الدفاع عن الأمة التي تركب موريتانيا معها نفس السفينة ، مع أن من يبالغ في الخصوصيات والذاتيات ، والانخراط في التعاطي مع الإطار القطري الضيق الذي ارتضاه الاستعمار أصلا ، ويضع البلاد في الإطارالمنعزل ، يكرس دون شك آثارا رجعية خلافا لتوجهات كونية تتوسل للوحدة والاندماج بكل السبل والوسائل لتحقيق نفس المقصد .
لذلك فلا غرو إذا كانت موريتانيا تسعى جاهدة كي تقدم نفسها لمحيطها العربي وللعالم كله ، خلال قمة انواكشوط المرتقبة ، كدولة فاعلة ومحورية لا يمكن الاستغناء عنها ، في زمن فشلت فيه دول المركز العربي ، وتم فيه تغييب العديد من العواصم العربية عن المشهد السياسي ، بفعل تحالف عالمي خبيث ، تقوده الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل .
ومع ذلك فإن هذا التوجه الحضاري والأخلاقي لبلادنا ، سوف يعززهوية موريتانيا العربية التي تأثرت كثيرا بفعل الاستعمار الفرنسي مما أدى ـ من بين أمور أخرى ـ إلى تأخرها عن الالتحاق بجامعة الدول العربية فترة طويلة ، كما أن الدور الريادي لموريتانيا سوف يتأكد أكثر، من خلال التعامل المباشرمع جميع قضايا الأمة ، وولوج دائرة التأثير والنفوذ ، والاستفادة باستمرار من دائرة التأثر والاستخدام .
لذلك فمن واجبنا وطنيا أن نرسخ هذه الآراء وندافع عنها بكل الوسائل ، وأن نضيف لها مفهوما واقعيا ونبيلا جدا ، قد يتم الركون إليه بإلحاح إبان الأزمات الحادة ، كما هو حال العرب في الوقت الحاضر ، وهو يتمل بالقول المأثور: " لا يمنعك من المعروف قلة ما في اليد " ، فنحن لا نروم مستحيلا إذا أسسنا على هذا المبدأ وقدمنا ما في وسعنا لأشقائنا، ولا نطلب ممتنعا إذا استقبلنا بحفاوة ضيوفنا وإخواننا العرب وأصبحنا مثل بقية دول المعمورة التي تستضيف القمم باستمرار، وتتراكم لديها الخبرات التنظيمية ، لتوظفها في مناسبات واستحقاقات أخرى قد تفرض نفسها .
وبما أن " للوسائل حكم المقاصد " ، فإن ضرورة الاستعداد الجيد لهذه القمة سوف تكون حافزا مشروعا بالتأكيد للحكومة الموريتانية على أن تبذل ما في وسعها من أجل إنشاء وصيانة البنى التحتية الكبرى ، مع تدريب الكوادرالبشرية اللازمة لنجاح وقائع القمة القادمة في بلادنا ، وفي نفس الوقت ستبقى كل هذه الانجازات موجودة على أرض الوطن لتستفيد منها البلاد إلى ما شاء الله .