
هذه هزيمة مروعة وغير مسبوقة للإمارات..لم يتخيل أحد حتى قبل ساعات أن تصاب الإمارات بتلك الضربة القاصمة لنفوذها..لمن لا يعلم..اليمن هو أهم استثمار خارجي للإمارات.. عشر سنوات من الحرب على صنعاء ومئات المليارات المدفوعة لإنشاء ميلشيات موالية لها في جنوب اليمن..واستقدام مرتزقة كولومبيين وعشرة آلاف من عناصر الدعم السريع..كل ذلك انكشف خلال ساعات..ومعه سوف يبدأ انهيار المشروع الاستعماري الإماراتي الذي يقوم على الهيمنة على جنوب البحر الأحمر انطلاقا من سواحل عدن..حكام الإمارات قالوا أن الانسحاب من اليمن بمحض إرادتهم..لكنها كذبة بالتأكيد لحفظ ماء الوجه..الآن أصبح كل شيء واضح..
السعودية نالت الضوء الأخضر الأمريكي لتصفية الوجود الإماراتي..ومن ثم انطلقت العملية العسكرية السعودية ضد عصابات الانفصال الجنوبي..أخطأت أبو ظبي حينما ظنت أن العدو العبري سوف يكفل لها مكانة أكبر في دوائر صنع القرار الأمريكي، أكبر من النفوذ السعودي..وخسرت الإمارات بعد دفع 1.2 تريليون دولار لترامب،كلها ذهبت سدى..لم يحسب آل زايد حساب أن الأميركيين يميلون تاريخيا للسعودية كقوة شرطية موثوقة لحفظ الترتيبات الأمنية في الخليج منذ الستينات على وجه أدق، وخانتهم الطفرة النفطية للعب أدوار لا يمكن لهم القيام بها..وخسارتهم بدأت من واشنطن وليس من الخليج..
لكن مهلا..ربما تنسحب الإمارات تكتيكيا بعد خسارة المعركة مع السعودية..لكن عدد القوات الإماراتية في اليمن لا يتجاوز بضع مئات في سقطرى وعدن وأبين وشبوة..وبالتأكيد سوف تسحبهم الإمارات، لكنها سوف تبقي في الأغلب على شبكات الدعم لحلفائها الانفصاليين في جنوب اليمن، مع البحث عن مسارات تهريب أوسع من الشواطيء الإماراتية..وللإمارات سابق خبرة في ذلك مع السودان حيث تستخدم طرق ملتوية لإيصال العتاد للدعم السريع عبر أوغندا وتشاد والنيجر وبنغازي دون الاضطرار لتحمل كلفة التورط مباشرة..وهذا قد يتكرر في الحالة اليمنية..خصوصا مع وجود قواعد عسكرية إماراتية غير معترف بها من حكام أبو ظبي في الصومال وارتريا..وبالتأكيد تعلم الرياض ذلك، وقبلها يعلم الوحدويون اليمنيون أن طريق طرد المجلس الانتقالي الانفصالي طويل وسيلتزم معارك واسعة إن لم ينسحب الانفصاليون..وهي فاتورة ستكون باهظة خصوصاً مع نمو المشروع الانفصالي في نفوس المدنيين في الجنوب..لكن هذا لا ينفي أن المشروع الإماراتي بدأ في الاحتضار..لأول مرة في تاريخها تصبح الإمارات في مرمى المدافع العربية بعد أن عاشت لعقدين على دبلوماسية الشيكات وشراء الولاءات العربية..اليوم تختبر حدود القوة الإماراتية عسكريا لأول مرة في مواجهة دولتية مباشرة وليس في الخفاء بحروب الوكالة كما تحب أبو ظبي أن تخوض حروبها عادة..
الانتصار الأهم هو الخريطة..حصار مشروع الإمارات العبري..الإمارات عكس قطر التي تلقت دعما تركيا وإيرانيا وكويتيا وعمانيا إبان أزمتها..الإمارات محاصرة في جغرافيتها الضيقة ولا مصلحة لأحد في الإقليم على مساعدتها في الحفاظ على طرق الإمداد والتموين للمجلس الانتقالي الانفصالي..لا قطر ولا عمان ولا الكويت ولا تركيا..الكل يعلم أنها ليست سوى بيدق يحركه العدو للسيطرة على منافذ البحر الأحمر ومضيق باب المندب تمهيدا لتنصيب العبريين أنفسهم حكاما للمنطقة، وما سوف يصيب السعودية سوف يلحق بهم..ما تبقى للإمارات لاستعادة النفوذ في اليمن هو قواعد في أرض الصومال وعصب وبونتلاند..ولكن ليس أبدا في الظهير العربي وتلك أيضا وجهت الرياض لها تحذير بأن الدعم العسكري سيقابل بالقصف..الآن تصدع المشروع وتعرضت الإمارات لضربة قاصمة سوف تعيدها، ولو بعد سنوات، للخانة صفر..قوة مالية تقيم شواطيء ومنتجعات تافهة دون المقدرة على صنع القرار العربي..سوف يستغرق سقوط الإمارات حينا من الدهر لا شك..من يصيغ سياساتهم هو العدو نفسه وهو أكثر من يجيد المناورة..لكن الانهيار بدأ لنموذج الدولة القزمة التي ظنت أن بمقدورها التمدد خارج فقاعتها المعمارية القائمة على غسيل الأموال الروسية والصينية لتصبح قوة عملاقة.. هذه حقائق لا يمكن تجاوزها جغرافيا وديموجرافيا وتاريخيا..والإمارات خسرت في ذلك..
هذه فرصة تاريخية لتصفية الوجود الاماراتي..وما بدأ في المكلا يجب أن ينتهي في دارفور..التأخر في مواجهة الإمارات في السودان سوف يعني شراسة لا مثيل لها من حكام أبو ظبي في الدفاع عن معقل يمكنهم من خلاله ولو بعد سنوات إعادة بعث قوتهم..بل أن التأخر في المواجهة قد يعني دعم أوسع لتسريع انفصال دارفور عن الخرطوم كعقاب فوري على تساقط النفوذ في الشق الآسيوي من البحر الأحمر..هذا هو عين التوقيت المناسب لكي تدفع الإمارات أثمان الفاشر..140 ألف ضحية سوداني، و 13 مليون نازح ومشرد و 17 مليون متسرب من التعليم..هل حسبوا أنها سوف تذهب سدى؟..لن يحدث..ويخطيء ألف مرة من سوف يستمر في رهانه على الإمارات..هي قوة من الماضي وإن تأخر الحاضر قليلا في إزاحتها لموقعها الطبيعي..سطر أسود من صفحة وضيعة من كتاب عربي لطخته الإمارات بأطنان من الأحمر القاني..وستدفع أثمانه علقما بحق ما أذاقت شعوب العرب.
عبده فايد








.jpg)
.gif)


.gif)