قراءتان في المؤتمر الصحفي للرئيس

أحد, 03/08/2020 - 15:00
محمد الأمين ولد الفاضل

سأحاول من خلال هذا المقال أن أقدم قراءتين للمؤتمر الصحفي لرئيس الجمهورية: القراءة الأولى تربط بين هذا المؤتمر الصحفي الذي شكل أول لقاء للرئيس بالصحافة الوطنية وخطاب إعلان الترشح الذي شكل بدوره أول إطلالة للرئيس على الشعب الموريتاني، ومما يزيد من أهمية هذه القراءة أن المؤتمر الصحفي قد تصادف مع أول ذكرى لخطاب إعلان الترشح. أما القراءة الثانية فستتحدث عن المؤتمر الصحفي للرئيس بوصفه نشاطا مستقلا في حد ذاته، وستستعرض في نقاط مختصرة وسريعة ما له وما عليه.

القراءة الأولى : من خطاب إعلان الترشح إلى المؤتمر الصحفي..هل من خيط ناظم؟

  شهد فاتح مارس من العام 2019 أول إطلالة لرئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، والذي كان حينها يشغل منصب وزير دفاع قادم من قيادة الجيوش، ولا يعرف عنه الموريتانيون إلا القليل والقليل جدا، وذلك بسبب ابتعاده عن الأضواء. وفي السادس من شهر مارس من هذا العام دعا رئيس الجمهورية عددا من الصحفيين لحفل عشاء تخلله مؤتمر صحفي، وكان هذا هو أول مؤتمر صحفي للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.

فهل من خيط ناظم أو من قواسم مشتركة ما بين الإطلالتين، أي ما بين خطاب إعلان الترشح والمؤتمر الصحفي؟

لقد كنتُ من الذين قدموا قراءة شاملة لخطاب إعلان الترشح، وكانت هناك فقرات كثيرة في ذلك الخطاب قد استوقفتني، ومن بين فقرات الخطاب التي استوقفتني أكثر، تلك الفقرة التي قرر الرئيس أن يفتتح بها أول إطلالة له على الشعب الموريتاني، وهي الفقرة التي تقول :" أما أنا فلا أقول – ولا يمكنني أن أقول – إن كل من حكم البلاد كان مخطئا بالمطلق، فلو كان الأمر كذلك لما كان لنا وطن يمتلك مقومات الدولة اليوم، وبالمنطق نفسه لا أقول إنه كان مصيبا بالمطلق إذ لو كان الأمر كذلك لما كنا لنلحظ مكامن الخلل ومواطن النقص التي هي في الواقع جزء من العمل البشري."

كانت هذه الفقرة ذات دلالة خاصة في بلد كبلدنا حيث تعودنا من كل نظام جديد أن يلعن الأنظمة التي سبقه، ولأن هذه الفقرة من خطاب إعلان الترشح شكلت خروجا عن نص ما عهدناه من خطابات الأنظمة الحاكمة، فقد كنا بحاجة إلى تجسيدها عمليا، كلما وُجِدت مناسبة لذلك.

لقد تم تجسيد هذه الفقرة من خطاب إعلان الترشح في الاحتفالات المخلدة للذكرى التاسعة والخمسين لعيد الاستقلال الوطني، فتم ولأول مرة توجيه الدعوة لكل رؤساء موريتانيا الموجودين في البلاد، كما تم توجيه الدعوة إلى كل أولئك الذين تولوا في فترة من الفترات منصب الوزير الأول. وقد تم تجسيدها أخيرا من خلال المؤتمر الصحفي للرئيس، والذي وجهت فيه الدعوة إلى شخصيات إعلامية من الجيل الأول، يمكن أن تحسب على أنظمة سابقة.

كما أن هذه الفقرة من خطاب إعلان الترشح، والتي تقول باستمرارية الدولة وبانفتاحها على جميع أبنائها قد تم تجسيدها ـ بشكل أو بآخر ـ في مناسبات أخرى، كما هو الحال مع استقبال قادة المعارضة ودعوتهم للأنشطة الرسمية، وكما هو الحال أيضا في محاولة جمع علماء موريتانيا في رابطة واحدة، وجمع قضاتها في ناد واحد، لأنه يليق بعلماء البلد الواحد ولا بقضاته أن يتشتتوا في روابط متصارعة أو متنافسة.

القراءة الثانية : المؤتمر الصحفي للرئيس ما له وما عليه

يُحسب لهذا المؤتمر الصحفي أنه :

1 ـ أظهر أن الرئيس لا يزال متمسكا بسياسة التهدئة والانفتاح على الجميع، وأنه يمتلك أجوبة مقنعة على الكثير من الأسئلة التي طرحت عليه، كما أظهر قدرته الكبيرة على انتقاء الكلمات والمصطلحات المناسبة، ولذا فقد تحفظ  في مؤتمره الصحفي على كلمة "المصالحة الوطنية" التي جاءت على لسان أحد محاوريه، وذلك لأن هذه الكلمة تستخدم عادة في البلدان التي شهدت حروبا أهلية. وقد أشار في جواب آخر على أنهم بحثوا عن كلمة أكثر إيجابية من كلمة الحياد لتحديد موقف موريتانيا من قضية الصحراء الغربية.

2 ـ أتاح الفرصة للرئيس لكي يتحدث للمواطنين عن التدرج في الإصلاح، وأنه لا يمكن تغيير الأوضاع في سبعة أشهر، وأن أقصى ما يمكن فعله في مدة كهذه هو تهيئة الأرضية للإصلاح، وفي هذا الإطار فقد تحدث عن إنشاء مندوبية تآزر، وعن خارطة طريق لإصلاح التعليم، وعن استعدادات لتوفير العلف للمنمين، وعن إطلاق الحزمة الأولى من برنامج "أولوياتي" ..إلخ

3 ـ مكن الرئيس من إعطاء جرعة قوية للجنة التحقيق البرلمانية، والتي أكد بأنه لن يكون عائقا أمام تأديتها لعملها، بل على العكس من ذلك فقد أكد أن دوره هو تقوية وتعزيز عمل البرلمان والقضاء وضمان استقلالهما. وفي مجال محاربة الفساد فقد أكد بأن الدولة لن تتعاطف ولن تتساهل مع الفساد والمفسدين، وأشار إلى أنه هو من أعطى التعليمات بنشر تقرير محكمة الحسابات، وذلك بهدف إطلاع الشعب على ما تضمنه ذلك التقرير.

4 ـ أبان عن استعداد الرئيس لرفع المظالم، فعندما طرحت عليه في المؤتمر الصحفي قضية الصحفيين ماموني ولد مختار وبونا ولد الدف، سارع إلى إعطاء الأوامر بالرفع الظلم عنهما، وكان من قبل ذلك قد أعطى أوامره برفع الظلم عن مواطنين آخرين.  

يحسب على هذا المؤتمر:

1 ـ أنه لم يعلن عنه إلا ساعات قليلة قبل تنظيمه الشيء الذي أثر سلبا على الزخم الإعلامي له.

2 ـ أنه لم يبث بشكل مباشر، وذلك بعد أن تعود الموريتانيون في العهد السابق على بث المؤتمرات الصحفية للرئيس بشكل مباشر. هذا لا يعني بأنه ليست هناك إيجابيات لعدم البث المباشر، ولا يعني أيضا بأن عدم البث المباشر كان من أجل التدخل في المؤتمر واقتطاع أجزاء منه. فلا أحد من الحضور ذكر بأنه قد اقتطع شيء من مداخلته أو من أسئلته أو من أجوبة الرئيس عليها، لا أحد ذكر شيئا من ذلك باستثناء نقيب الصحفيين الذي تحدث عن اقتطاع جزء من مداخلته لا يتعلق بنقد النظام، وإنما يتعلق بتثمين دعوة  الرئيس لبعض الصحفيين والإعلاميين  من الجيل الأول.

3 ـ عدم توجيه الدعوة لرئيس لجنة احترام أخلاقيات الصحافة، ورئيس رابطة الصحفيين الموريتانيين، ورئيس جمعية الصحفيين الأفارقة، هذا فضلا عن عدم توجيهها لشخصيات إعلامية أخرى كان لها حضورها المتميز في المشهد الإعلامي في موريتانيا.

حفظ الله موريتانيا..