في أولوية الحوار الاجتماعي

خميس, 05/02/2019 - 17:50
سيد ولد محمد الامين

"إن لم تكن حذرا فإن الصحف ستجعلك تكره المضطهدين، وتحب الذين يمارسون الاضطهاد"

مالكوم إكس

ندور في هذا البلد في حلقات مفرغة دون تحقيق أي إنجازات ترضي الأغلبية الساحقة من جماهيرنا التي تتطلع إلى حياة كريمة، وما هذا الضجيج الصاخب الذي تعرفه البلاد منذ بداية هذا العقد إلا تعبير عن ذلك، فسيادة الأطروحات المطلبية ذات الطابع الحقوقي الاجتماعي والاقتصادي على المطالب السياسية بادية للعيان ولا تحتاج كبير عناء لالتقاط تأثيرها وزخمها؛ وقد ساهمت مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية إلى جانب حراك "لمعلمين" في إذكاء جذوة هذه المطالب التي يبدو أنه آن الأوان منذ بداية العقد السادس للدولة الموريتانية أن تخرج من عباءة السياسة مستقلة ومتخذة طابعا "حقوقيا".

لقد نجحت هاتان الحركتان في الدفع بقضايا المهمشين اجتماعيا إلى نقطة بعيدة لم تكن في المتناول قبلهما، غير أن التناول السياسي لهذه القضية أعاق تحقيق إنجازات عملية في الإشكالات المرتبطة بها.

وقد تم التأطير السياسي لهذه الانتفاضة الحقوقية بحيث دفعها إلى أطروحات خصوصية، وبدأت ردود أفعال سلبية خلالها واتجاهها، فظهرت نزعات يمينية في الاتجاهين: الطبقات المهمشة والطبقات المسيطرة، حتى لقد ظهرت أحزاب يمينية!

وعندما ظهر ميثاق الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للحراطين وضع قضية الحراطين في سياق وطني وأريد تجاوز الاستقطاب السياسي لم ينجح في ذلك فانقسم إلى ميثاقين أو ثلاثة!

إن قوى مقاومة هذا المد التقدمي (طرح مسألة العدالة الاجتماعية) نجحت حتى الآن في تحوير شكل الصراع، واختلاق معركة وهمية ذات طابع عنصري: بيظان في مواجهة حراطين أو معلمين، بينما حقيقة الصراع: قوى مسيطرة على الثروة والدخل والامتيازات في مواجهة فئات مهمشة مطحونة، وهذه الحقيقة هي التي يراد صرف الانتباه عنها بتوجيه "المحاربين" إلى طعن طواحين الهواء وتخيلات وهمية لا وجود لها في الواقع.

ومن مصلحة القوى الرجعية أن يهتف مهمش مسحوق بالموت ضد شريحة اجتماعية، أو يهدد نافذ بإعادة استعباد شريحة بقوة السلاح، فهذا ما يجعلها تحكم السيطرة مع وجود الخوف والاحتقان!

إن المهمش لا يهدد مهمشا آخر، إلا أن يكون سلاحا في يد الجلاد.

ومن المؤسف لحد الآن أن الساسة وقادة الرأي لا يدركون أولوية إقامة حوار اجتماعي صريح وجاد يحاول وضع حلول جذرية لأزمة المجتمع الذي يعرف التمييز  الفج بكافة أنواعه وعدم تكافئ الفرص والظلم الاقتصادي الصارخ.

وفي الحقيقة فإنه في حياة كل الشعوب والمجتمعات تكون هناك مسائل خارج دائرة الخلاف والتخندق كمسألة المصير المشترك والسيادة... وأعتقد بحزم أن مسألة العدالة الاجتماعية من قضايا الإجماع التي لا تحتمل التأجيل، فيتوقف على تحقيق الحد الأدنى منها تقدم ورفاه وكرامة مجتمعنا.

دون تأخير ، ينبغي فتح حوار اجتماعي على نطاق واسع، يترجم تطلع هذه الأمة للتمكن من حقوقها الأساسية: الاجتماعي والاقتصادية والثقافية والسياسية بمساواة وعدل.

ودون تأجيل، ينبغي الكف عن تغذية الوعي المزيف بالحقوق في مقابل الكف عن شيطنة المطالب الحقوقية المشروعة لأبناء وبنات هذا البلد.

ستبقى هناك أسئلة فرعية حول شكل هذا الحوار، وعلى عاتق من تقع مسؤولية تنظيمه، ومن سيتابع تنفيذ حلوله واقتراحاته.. لكنها أسئلة لاحقة على إرادة تجاوز العقدة الحالية والجلوس على ضفتي النهر (السائر في اتجاه المنحدر القاتل إن لم نجدف بقوة).

سيد ولد محمد الامين

نواكشوط، بتاريخ: 29 ابريل 2019