عقدة الانتماء للعروبة

أربعاء, 04/10/2019 - 18:23
الولي سيدي هيبه

لا شك أن خرير مداد قلم عبد الباري عطوان الدافق يدغدغ مشاعر أشراف الأمة ممن بقيت فيهم نخوة، ويهز ويُرعب صوته الجهوري الذي تطبعه حدة الغيرة وتشنج الحسرة باعة القضية الفلسطينية وكاسري خواطر الشعوب العربية والإسلامية بالغدر والخيانة والشقاق والنفاق. ولا شك أنه بهذا يستحق استقبالا لائقا وتقديرا على قدر قامته.

ولكن الذي كان موضعا له من الحفاوة في البلاد "المليونيات" تخطى بالمبالغة المفرطة حد الوصف وزاد عن مقبول اللياقة على حساب شرف الأمة الذي أهدر بإبراز مشاعر هستيرية وتدافع على الرجل، كأنه نبي بعث لتوه أو كأننا نعاني عقدة "غياب الرموز"، حتى بلغت القلوب الحناجر ووصلت الخطابات والأشعار التي ألقيت من كل ديوان وحنجرة عنان السماء مفصحة عن عقدة الانتماء للعروبة والبعد عن كبد المشرق؛ عقدة تطاردنا كاللعنة، تفقدتنا ماء وجوهنا، تقض مضاجعنا وكأن هذا الانتماء لحاف لا يقاسمنا إياه سكان الخارطة العربية.

وأما الشعر فليس حكرا على شعب دون آخر ولا سببا للتطفل على انتماء قد لا يكون أبدا هدفا. فهذا محمد الأمين "السينغالي" يبز الشعراء العرب في مسابقة "شاعر المليون"، وذاك هندي كأنه "سيبويه" عصره و "متنبي" زمانها، واللائحة تطول وتطول ولا أحد فيها يدعي العروبة.

ولأن نظم الشعر ليس "لازمة" الانتماء، فإن العجز أو الامتناع عن صناعته ليس "طاردا" من الانتماء العروبي. فرفقا بالبلاد أيها الشعراء واتركوا لضيوفها أن يستسيغوها موريتانيا من أوجهها المختلفة ولا تزايدوا على عروبتها... فتلك لا مراء فيها، إلى جانب انتماءات أخرى محل تميز وإن اقتنعنا... فخر كبير.

الجهالة السياسية

في ديجور الجهالة السياسية المتدثرة كرها بـثوب "السياسة" رهينة أحزاب الأغلبية "الانتهازية" والمعارضة "الانتقامية"، ووسط معمعة الفوضى المجتمعية العارمة يغني كل من "غيلان" قهر البلد الهش على "ليلاه" و"بدر بدوره" ويدفع لأجلها أرفع المهور من المال العام المغتصب بلا رحمة ودون أدنى مراعاة للاختلالات التي يسببها النهب وسوء التسيير وتبذير المقدرات من ناحية، وبقليل القيم والأخلاق المتبقية من إرث هو منها في الأصل ضعيف بحكم عقلية "السيبة" وتفاضلية الطبقية من ناحية أخرى. وما مظاهر الولاء التي تعقد على أنقاض الولاءات التي كانت قائمة وتحول النوايا وانشطار كتل الأمس بدون سابق إنذار إلا إمعانا في التمسك بمنهج الجهالة السياسية وسجن الوكن في غيابات جب التخلف. فهل يغير الشعب الأمور في منعطف جاء هدية من نسجت خيوطها الأقدار؟

حديث العشرية

إنه سباق مع الزمن للتسجيل في ذاكرة بلد، هو فاقد لها منذ نشأته، تاريخا استثنائيا محصورا في عشرية أقل من سدس عمر الدولة المركزية، ذات الثمانية والستين عاما، والتي تعاقبت عليها أحكام مدنية وعسكرية نسف كل منها الآخر وصنع "طواطمه" بعبثية المسخ؛

ذاكرة يراد لها أن تكون استثناء في بلد مولود بعملية قيصرية من رحم اللا دولة، وهي التي لم تحفظ من قبل الأحداث لسجل الخلود، ولا رتبت الحقب المتعاقبة لعناق التاريخ، ولا كانت يوما وأبدا منطلقا لهوية وطنية موحدة؟

عشرية تريد لتجب ما قبلها وتؤسس للآتي الذي هو حاضر لم ينجز، تماما مثل ما أرادت عشرينيةُ معاوية ولد الطايع أن تكون عليه ذاكرة التاريخ، وما أراد كل الذين سبقوه من طمس لعشرينية ولد داداه الذي كان يلقب بأبي الأمة ومؤسس الدولة.

عشرية يسابق الإعلام الحكومي عبر وزراء الدولة وسكان كواليس الرئاسة إلى توزيعها على مقامات التنمية والثقافة والسياسة والتعليم والصحة والزراعة والأمن والديبلوماسية وغير ذلك لتكون كلها بما ترشح به وليدة عشر. فهل تسجل الذاكرة ذلك ولا تخون وتغدر بعد حين مثلما فعلت من قبل؟