العصابة..!

خميس, 08/23/2018 - 14:54
سيدي محمد ولد ابه

في تسعينيات القرن الماضي ظهرت في العاصمة نواكشوط عصابة تسلب المارة ما بحوزتهم من أموال، عُرفت باسم "دخل ش" أي ادفع شيئا أي شيئ مقابل سلامتك وإخلاء سبيلك، وينشط أفرادها في مجموعات صغيرة، تظهر بسرعة أمام ضحاياها وتختفي بنفس السرعة أيضا..

باتت عصابة "دخل شي" حينها حديث سكان العاصمة ومدن الداخل، وأرقت الأمن لأشهر طويلة قبل أن يختفي ذكرها من يوميات المدينة..

اليوم وبعد مرور أكثر من ربع قرن على ظاهرة "دخل شي" يعيد التاريخ نفسه بطريقة مختلفة وبأسماء وشخوص مختلفة، وإن اتحدت الأهداف والمرامي (الابتزاز من أجل المال).

تظهر عصابة جديدة تعمل في العلن، وإن كانت لا تستهدف المارة في عتمة الليل، ولا ترضى بالنزر القليل من المال.

بعد سنوات من محاولات ابتزاز السلطة، فشلت جميعها في تحقيق الحد الأدني من "المطالب" لجأت النسخة الجديدة من عصابة "دخل شي" إلى رجل الأعمال المطلوب للعدالة محمد ولد بوعماتو، واصطفت إلى جانبه، أو هكذا أوهمته، فأسال لها عين الدولار، ومول لها مسيرات ومهرجانات كانت كلها سباب وشتائم للنظام القائم.. وفي غياب البرامج والرؤى السياسية يكون اللجوء للسب والتجريح الطريق الوحيدة السالكة، أمام المنتفعين بالسياسة..

ومع تراجع الرصيد يتم ابتداع طريق جديد لابتزاز الرجل الملياردير الذي اشترط مؤخرا على هؤلاء المشاركة في الانتخابات وهزيمة النظام وحزبه، لاستمرار التمويل.

وتقول بعض المصادر إن ولد بوعماتو وبخ الجماعة على حصادها الهزيل، وتخليها عن ولد غده وأنذرها بأن انتخابات 2018 ستكون آخر شراكة بينهما..

وهذا ما يفسر المشاركة الواسعة لهؤلاء المفلسين سياسيا أخلاقيا في الانتخابات الحالية.

آخر ما جادت به قرائح مجموعة "دخل شي" في طبعتها الجديدة هي اتهامها السلطات بمصادرة ممتلكات ولد بوعماتو، مع أن المصادرة تحتاج حكما قضائيا، وهو ما لم يقع حتى الآن، فلا القضاء صادر الأموال ولا السلطات بمقدورها أن تصادرها دون حكم قضائي.. وما حدث هو أمر قضائي بتجميد بعض الأرصدة فقط.. وثمة فرق بين التجميد والمصادرة يا "أولى الألباب"..

يذرف أعضاء عصابة "دخل شي" "المعاصرة" دموع التماسيح على "ممتلكات" ولد بوعماتو استدرارا لجيبه، لتعويض سنوات الضياع، والتسكع على أرصفة الزمن، والتخفيف من مسلسل الخسارة الذي ما إن تنتهي إحدى حلقاته حتى تبدأ أخرى أكثر فداحة..

ستكون انتخابات الفاتح من سبتمبر ضربة موجعة لهؤلاء، تقضي على ما تبقى لديهم من أمل، وتُنهي "شراكتهم" غير الشريفة مع ولد بوعماتو، لينكفئ هو على نفسه في عواصم أوروبا العجوز، قبل مثوله أمام القضاء الموريتاني، ويتلاشى صوت هؤلاء المبحوح في زحام المدينة كخيط دخان رفيع..