تعليقا على بيان حركة 25 فبراير

جمعة, 07/13/2018 - 15:39
عثمان جدو

ذهبت حركة 25فبراير في بيانها الأخير إلى أن البلاد ارتهنت للقبضة العسكرية! و أن ذلك قوض الدولة المدنية، وقد جانفت الحقيقة في ذلك كثيرا.. ولنا في هذا السياق أن نستأنس بالدور الريادي الذي لعبته المؤسسة العسكرية في استتباب الأمن و الدفاع عن الحوزة الترابية وحماية الوطن الفتي و رعايته طيلة العقود الماضية؛ حتى وقف على رجليه وأخذ قراره السيادي بكل حرية، مبتعدا عن الوصاية الظاهرة و الولاية الجبرية والخضوع للمستعمر، وتتبع نهجه، وتنفيذ أمنياته قبل أوامره، حدثت قطيعة مع كل تلك الأوصاف، وحدث التحول العميق، المخول لاتخاذ القرار السيادي الحازم دون تدخل خارجي.

 

من الناحية السياسية ظلت المؤسسة العسكرية  تشكل صمام الآمان من خلال النأي بالبلاد عن الوقوع في مستنقع الوحل الذي كانت تحمله محاولات التمزيف المتكررة و الفاشلة-الحمد لله- لقد ظهرت سلبية تلك المحاولات جلية لكونها تطل بإراقة الدماء وإشعال النيران التي لا يمكن التكهن بكيفية إطفائها و لا تحديد آلية ذلك؛ لقد كانت تلك المحاولات الإنقلابية تحمل طابعا عنيفا لكون المحرك الأساسي لها؛ إما عنصري إثني أو قومي ارتهاني لأجندات خارجية، لم تكن هذه التحركات العسكرية المناهضة للدولة القائمة تخدم أمن المواطن واستقراره وصيانة مكتسباته بل كان اللهث خلف الحظوة الشخصية وتغذية الروافد الإثنية والإيديولوجية هو الهدف المنشود وكانت المطية لذلك زعزعة الأمن و تدمير البنية التحتية وتكدير حياة المواطن؛ الشيء الذي وعاه القادة العسكريون باكرا فتصدوا له بحزم وعزم، وجنبوا البلاد و العباد كل الأضرار و المخاطر المحتملة، فأجهضوا تلك التحركات التمزيقية قبل اشتعال نيرانها و تطاير أذاها، و قاموا بإجراء حركات تصحيحية عند اقتضائها.

 

قد تشترك التحركات العسكرية في مظهرها لكنها تختلف في جوهرها، فالانقلابات المؤسسة على هدف الاستيلاء على السلطة وتغيير المسار بهدف التفرد بالحكم مهما كانت الفاتورة المستهلكة لحصول ذلك تختلف كثيرا عن الحركات التصحيحية الآمنة البيضاء التي مؤداها بالأساس تجنب البلاد الويلات و الأخطار المحدقة بفعل تراكمات سوء التدبير والتي تسعى بالأساس إلى الحفاظ على حياة المواطن وصيانة مكتسباته.. تختلف كثيرا عن الأخرى؛ فالأولى انقلابات عسكرية محضة و الثانية حركات تصحيحية وهذا ما تعلمنها من الواقع وجرت به ألسن الساسة في بلادنا. 

 

من الناحية الاقتصادية لا يمكن تجاهل الدور الأمني الذي أفضى إلى حصول الثقة التامة للمستثمرين الذين تعدد مشاريعهم وتزداد يوما بعد يوم؛ بفعل تحسن مناخ الأعمال الذي لا تقوم له دعائم دون استتباب الأمن.

 

أما على مستوى التعليم و الصحة؛ القطاعان الخدميان الأكثر أهمية -بعد الأمن طبعا- فلا يمكن الحديث عنهما خلال أربعينية التقييم هذه دون تجزئتها، وطبعا يمكن القول أن العقود الثلاثة الأولى من هذه الأربعينية اتسمت بالتطابق مع التوصيف الذي قدمته الحركة؛ حيث شهدت هذه الفترة؛ اهمال التعليم و الاستهتار بصحة المواطن لأسباب عدة لعل من أظهرها و أكثرها تجليا للعموم؛ غياب البنية التحتية في كلا القطاعين بالإضافة إلى غياب الكادر البشري القادر على تحمل المسؤولية و القيام بالواجب وبالتالي حصد النتائج الإيجابية.. لقد حصل عكس ذلك في العقد الأخير؛ فلوحظ انتعاش التعليم من خلال تحسن وتعميم العلاوات و بناء المدارس و الجامعات في إضافة واضحة للبنية التحتية التي تزينت بالمدارس الجمهورية المشيدة في التجمعات المستحدثة و مدارس الامتياز التي عمت عواصم الولايات بالإضافة إلى المدارس النموذجية في انواگشوط وكيهيدي و الشامي، ينضاف إلى ذلك التحسن المستمر في التعليم  العالي من حيث إعادة التنظيم و التخطيط وزيادة لبنات البنية التحتية بمدارس المهندسين و معاهد التكوين و مدارس القضاء و الصحافة.. إلخ ، الشيء ذاته حدث على مستوى البنية التحتية في مجال الصحة من خلال بناء و تشييد المستشفيات و تجهيزها بلازم المعدات.. و ما إعادة الاعتبار للمعهد التربوي الوطني و تجديد دمائه بإحياء فروعه ودعم شريانه المسؤول عن انتاج الكتاب المدرسي و إتاحة الفرصة له في مباشرة ذلك؛ خلافا لما كان سائدا من الاعتماد على مناهج الغير ..! وهي خطوة تحمل شحنة سيادية لأن المنهج التربوي هو المحدد لمتجه فكر الأجيال و تشبعهم العلمي. 

 

و على المستوى الثقافي و الاجتماعي ظلت المؤسسة العسكرية المظلة الآمنة للحاضنة الاجتماعية و هو ما ثبت جليا في تفكيك الجماعات المتغلغلة في المجتمع الذي أجاب بكل وضوح أنه لن يكون حاضة للإرهاب.

 

خلاصة القول أن المؤسسة العسكرية ظلت صمام أمان و رقيب جاد أثبت أهميته و جدوائيته التي منعت من حدوث التمزيق الذي تعاني منه أغلب دول الجوار التي أصبحت أوكارا للجماعات المتناحرة- على آبار النفط و على الأسواق أو محاولة لتسيد المشهد الذي يعكس حجم الدمار و الخراب الذي وصلت إليه هذه البلدان التي زجت بمؤسساتها العسكرية في الصدامات البينية التي أنتجت ابشع المشاهد التي يمكن وقوعها؛ فصارت الشوراع ساحة للأشلاء المتطايرة و مأوى الضحية المتمثلة في عجوز مقهورة و صبية و فتية فقدوا المأوى و النصير. 

 

علينا جميعا أن ننآى بالمؤسسة العسكرية بعيدا عن مناكفاتنا السياسية و مماحكاتنا الفكرية و بياناتنا الحقوقية فهذه المؤسسة ينبغي أن تكون مجن لنا جميعا ومظلة و غطاء.