مواضيع مهمة ومتنوعة فى شهرية البعث "قطر" موريتانيا

جمعة, 01/06/2017 - 11:49

صناعة  الصالحين .. والأولياء في موريتانيا!!

المتتبعون لتاريخ الإسلام يدركون أنه كلما وقع العرب في ضعف ، وقع الإسلام في ضعف أكبر.. وكلما دخلت الخرافة في الإسلام دل ذلك على ضعف العرب؛ وظهرت  أعراض هذا الضعف بغياب العقل وتفشي الخرافات وتعاطي العامة للدجل؛ وكثرت الأساطير الدينية ، مصحوبة بسيل من الشخصيات الغامضة التي تدعي الصلاح في الدين ، والولاية لله!!. وإذا كانت  هذه الظواهر تعد طبيعية في المجتمعات البشرية ، عموما، كلما غاب فيها العقل  وتدنى بين أفرادها مستوى التعليم ؛ وقلت قدرة الناس على مواجهة قسوة ظروفهم  بوسائل مناسبة، فإنهم يلجأون في مثل هذه الظروف القاهرة إلى قوى غيبية تشكل سندا وملاذا لهم مما يخشون منه ، أو توصلهم إلى ما يتطلعون إليه  في أحلامهم ومشاريعهم، وقد أعيتهم الحيلة والوسيلة .. إذا كان ذلك طبيعيا ، فقد طرأت عليه أمور أخرى فاقمت منه ووجهت مساره لخدمة غايات  مستجدة ، غير الغايات الأصلية للذهنية الخرافية. فإذا كنا لا ننكر ووجود الصالحين وأولياء لله، إلا أنهم أصبحوا اليوم صناعة فعلية  ، قائمة على قواعد، ككل صنعة. فالصالحون والأولياء الذين  يتوسم الناس فيهم  الخشية من الله والعلم والعمل به ( الورع والتقوى) ، هؤلاء لا أحد يتكلم عنهم ، و لا هم  يتعرضون بأنفسهم ليتعرف الناس عليهم؛ إنهم في أقبية النسيان  من الناس ومن الإعلام، ومن أنفسهم!.

وقي المقابل، هناك مصانع للولاية والصلاح  تابعة لأكثر من جهة :

أولا، مصنع السلطة الحاكمة ، التي تصنع أولياء وصالحين " وحجابه" تابعين لها ، تدربهم وتكونهم ، وتنشر على نطاق واسع خبر صلاحهم وكراماتهم  وخوارقهم؛ هؤلاء في خدمة سياسات السلطة وأجندتها ، يسكنون ذهن الحاكم و يتنبأون  بما يحب ويرضى عنه. والسلطة  تعمل على إبراز بعضهم في فترة وتحجب  " صلحاء" آخرين  لفترات أخرى، بحسب الحاجة والأولويات  والمهام الموكلة  " للأولياء والصالحين" ، وبحسب المردود المنشود. وأولياء السلطة وصلحاؤها موزعون أيضا بحسب الفئات   الاجتماعية: فهناك " أولياء" الغوغاء والجهلة الذين لا حظ لهم من علم الشرع  ولا من سواه؛ وهؤلاء مهمتهم  قيادة الدهماء عند الحاجة، وإسكاتهم عند الحاجة؛ وضرب بعضهم ببعض بحسب الظروف. وهناك " أولياء وصالحون" يخدمون السلطة على مستوى علاقاتها الداخلية، على صعيد الوجهاء والأعيان والجاليات  الوطنية، و على مستوى العلاقات الخارجية  في  المحيط الإقليمي والإسلامي؛ وهؤلاء يشترط فيهم الكفاءة العلمية والبركة الروحية العابرة للحدود ، والجاذبية السياسية، والمعيارية الأسرية.

واليوم، أصبحت السلطة تحتاج إلى " أولياء وصالحين" على مستوى كل شريحة اجتماعية، وكل عرقية من أعراق البلاد ( أولياء وصالحون من لحراطين)  و ( أولياء وصالحون من لمعلمين) ... وبطبيعة الحال، هناك أجهزة متخصصة، مهمتها الترويج بحق وبباطل   " للأولياء والصالحين" التابعين للدولة؛  تنسج  حولهم هالة من الأساطير والكرامات وخوارق العادة ، مما لا يمكن تصوره.وقد أدركت التيارات الدينية السياسوية  في موريتانيا، مبكرا، الأهمية الدعائية البالغة والمردود الضخم للاستثمار في نشر الخرافة والدجل بين الغوغاء ؛ فبادرت إلى منافسة السلطة في هذا المجال بخلق " أولياء وعلماء وصالحين" تابعين لها؛ "يحللون" لها حلالها و"يحرمون" حرامها، و"يكفرون" من أجلها و"يعمدون" لصالحها.  فأصبحت المنافسة شديدة بين السلطة والتيارات الاسلاموية في البلاد؛ فيما بات يعرف  ب " صناعة الصالحين والأولياء".. وتتولى التنظيمات الشعبية والشبكات العنقودية الخدمية والتجارية  مهمة الترويج على غرار أجهزة الدولة.   وفي هذا الإطار تدخل حروب الإفتاء المستعرة بين علماء السلطة وعلماء "الإخوان المسلمون" ؛ وكذلك مناظرة كرامات "الأولياء والصالحين" التابعين للسلطة، والتابعين للإخوان...!!. وربما تعمد السفارات الغربية، قريبا، إلى فتح مصانع لإنتاج " الصالحين والأولياء" تابعين لها، فتستثمر في حقول الخرافة والدجل الغنية في البلاد! 

 

صدام حسين.. لماذا  لم يعتذروا لك وللبعث..؟!

في الثلاثين من شهر دجمبر الجاري، أي بعد أيام، تكون مرت عشر سنوات على استشهاد الرفيق الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي ورئيس العراق، صدام حسين، بأمر الغزاة الأمريكيين وحلفائهم الإيرانيين والصهاينة، وبتنفيذ عملائهم ، الذين حكموا العراق بعد الاحتلال، 2003 . ومع أن هذا الحدث عظيم ويصعب تناوله دون مشاعر حزن  عميق، من جرح قومي غائر، إلا أننا سنتجرد ، ما وسعنا ذلك، من العاطفة لنقترب من الذين لا تربطهم  قيم الإنسانية ولا رابطة القومية ، ولا وشجيجة الدين، ولا روح الرفقة الحزبية بالشهيد صدام حسين لنناقشهم ببرودة العقل غير ( المكترث). فليس من المحظور أن نعترف أن نخبا عربية كثيرة ، منها التيارات الدينية الاسلاموية السياسية جميعا، ومنها التيارات الليبرالية  كافة، ومنها جل حركات اليسار العربي  وحتى قطاع عريض من التيار العروبي  والناصري؛ كلهم كانوا يؤيدون إزاحة الرئيس الشهيد صدام حسين . طبعا، تختلف هذه التيارات  والقوى في دوافعها من وراء هذه الروح العدوانية، إلا أنها تتفق على أمر إطاحة الشهيد وإنهاء حكم البعث في العراق. ولم تكن مواقف هذه القوى من حكم البعث في العراق مكتومة ؛ بل علنية  وفاعلة إلى درجة تعامل بعضها مع القوى والاستخبارات الدولية لتحقيق هذا الهدف؛  وبقي قسم آخر ( العروبيون) مرابطون على مستوى تمني ذلك ، دون المجاهرة بالعمالة. فالشيوعيون، ما عدى فصيل منهم، عملوا على منع الاتحاد السوفيتي ، 1991، والاتحاد الروسي في 2003  من بعده، من تعاون استراتيجي سياسي مع النظام الوطني في العراق . والقوى الليبرالية سعت بكل وسائلها على تأجيج الإعلام الغربي ضد نظام البعث بشيطنته وتلفيق ما لا يمكن تصوره من وحشية وإخراجها في شكل " أحداث" على طريقة هولويود ، لخلق رأي عام جارف معاد يبرر للحكومات الغربية جريمة شن الحرب وتوليف حلف عالمي ضد البعث والقائد الشهيد، صدام حسين، باسم الانتصار لحقوق الإنسان وحقوق الأقليات، و زعم العمل على منع " الإبادة الجماعية"  وغير ذلك من العناوين المروعة للرأي العام الغربي ، الذي  ذاق ويلات مماثلة في تاريخه الحديث والقروسطي. والحركات الإسلاموية السياسوية عملت على توظيف الدين  في حربها ضد البعث كرديف دعائي مؤازر للحملة الغربية، وهيأت نفسها  كقوة بديلة عن البعث في العراق؛ وهذا ما يفسر أن جماعة الإخوان المسلمين قبلت أن تكون أول إفراز عفن من إفرازات الاحتلال الأمريكي في العراق المحتل؛ أي بترؤس أول مجلس للحكم ينصب في العراق، ما بعد حكم البعث!!. وقد لعبت، لسنوات طويلة، دورا سيئا للغاية في تضليل الأوساط الشعبية عبر دعاية أن البعث ( ينكر الحياة بعد الموت، مثلا)، بعدما تأكدت أن الحزب اكتسح الأوساط الأكاديمية والشبابية  في الوطن العربي. كان القصد هو خلق حاضنة شعبية لرموز الاحتلال، فيما سيتضح لاحقا. أما التيارات العروبية  والناصرية ، فلم تستطع بعد ، إلا قليلا، التخلص من عقدة الخلاف الذي حصل بين البعث وجمال عبد الناصر، رحمه الله، بعد انفراط عقد دولة الوحدة  بين مصر وسوريا.  وقد تجلى عمل هذا التيار في دعمه لنظام الملالي في إيران في حرب الثماني سنوات في القرن الماضي، ودعمه لها وهي تحتل العراق وسوريا ولبنان الآن ، معا. كما أن هذا التيار فضل مناصرة نظام الأسد العائلي، الطائفي، وهو النسخة الكربونية المزورة للبعث، على نظام البعث الأصيل في العراق. والآن تحاول نخب هذا التيار إخفاء إحراجها  من دعم إيران التي تحتل العراق  بالشراكة مع أمريكا ، وهي تتباهى به، بكونها تواجه الرجعيات العربية  في الخليج العربي  في قاموسنا، الفارسي في قاموسهم. غير أن الخط البياني لمواقف هذا التيار منذ وصل البعث للحكم في العراق  بقيت معادية ، لم تتغير.. وحتى مقاومة الشعب العراقي للاحتلال الأمريكي لم تنل مناصرة من هذا التيار، اللهم استثناءات ..  هذه حقائق مرة ..ولكننا ندونها للتاريخ، وحق  للأجيال القادمة معرفتها.

فلما تظل هذه القوى متمسكة بالسير في الطريق الخاطئ، ولما ذا يؤجلون الاعتذار لك أيها البطل الشهيد، ويعتذرون للبعث المقاوم ؟!. أم تراهم أخذتهم العزة بالإثم، فهم في حمق يعمهون... 

  

هل يتجاوز النظام الإحراج المزدوج لقضية ولد اخيطير..؟!

 أجلت المحكمة النطق  بالحكم في ذلك " الشقي"  الذي  " تطاول" على الجناب النبوي الشريف إلى الشهر القادم. وكانت جموع ضخمة جدا من المواطنين قد تدفقت باتجاه المحكمة في اليوم الذي كانت ستنطق فيه المحكمة الحكم، إلا أن هذه الجموع صدمت بتأجيله. وتشهد النخبة الموريتانية انقساما حول مبدأ التظاهر أمام المحكمة. فبينما تعتبره نخب ليبرالية ويسارية شكلا من أشكال الضغط على القضاء مما يؤثر على نزاهة القاضي ، وبالتالي توجيه الأحكام  بما يتناقض مع حياد القضاء المطلوب، فإن الجماهير الشعبية والنخب القومية و المشايخ  والإسلاميين  تعتبر المساس بالمقدسات الدينية أمرا فوق هذه الاعتبارات. ومع أن ولد امخيطير ليس أول من يتجاسر في موريتانيا على النبي محمد (ص) ولن يكون الأخير، إلا أن قضيته اتخذت أبعادا خطيرة. ويرى محللون أن وراء  هذا التضخيم أكثر من عامل: العامل الأول ، بحسب قراءات سياسية معارضة، أن النظام الحاكم يواجه تصعيدا كبيرا في علاقاته مع المغرب على إثر احتضان هذا الأخير لرجل الأعمال ( ولد بو عماتو) الذي يعد كابوسا لا يفارق رجال النظام؛ وهذا الاحتضان رد عليه النظام الموريتاني بانزياح غير مسبوق في علاقاته  الخارجية لصالح الجزائر وسياساتها الإقليمية المناوئة للمغرب. وقد بلغ هذا التصعيد أعلى نقطة فيه بعد تصريحات الأمين العام لحزب الاستقلال المغربي الذي طالب فيها باستعادة موريتانيا  كجزء من الحوزة الترابية التاريخية المغربية؛ وهو أمر أثار حفيظة  الموريتانيين ، وخصوصا النخب الموالية للنظام التي  بدت كمن تلقف هذه الهفوة  المغربية لتبرير تنصل النظام من الحياد في قضية الصحراء المستعصية، الذي حافظت عليه موريتانيا خلال الفترة الماضية ؛ فبدا ( النظام ) بحاجة لشيء مقنع  يعبئ به الرأي العام في توجهه الجديد.  هذا فضلا عن ضغط الوضعيات السياسية و الاقتصادية والاجتماعية  . ويرى هؤلاء المحللون أن النظام ، إذن،  وراء تأجيج مشاعر المواطنين العاديين لنسيان أوضاعهم ولعدم  متابعة الحملات القوية  التي تشنها أوساط إعلامية مغربية عليه. هناك محللون آخرون يبررون أن النظام يعمل من خلال إعطاء حجم مبالغ فيه لقضية ولد امخيطير للتغطية على طبخة تطبخها المؤسسة العسكرية  على نار هادئة  فيما يتعلق بتصور ما بعد نهاية  الأمورية الأخيرة للرئيس الحالي قبل أن تزف ساعتها . وهذه القضية تثير لغطا سياسيا وإعلاميا في موريتانيا برغم تأكيد الرئيس نفسه بعدم تغيير الدستور  فيما يخص مواد المأموريات في مناسبات إعلامية دولية عديدة، وأمام الرأي العام  الوطني والدولي في ختام  الحوار المنظم أخيرا مع جزء من أحزاب المعارضة. إلا أن مسئولين كبار من الحكومة لا يفوتون الفرصة في ترديد إمكانية تغيير هذه المواد ، وهو ما يفسر أنه بتخويل من الرئيس نفسه.  وهناك قراءة ثالثة تعتبر أن قضية ولد امخيطير تأتي في سياق ترهيب الغرب من موجة تطرف ديني متنامية في موريتانية؛ وأن الرئيس الحالي يريد تسويق نظامه للغرب، وضرورة استمراره، سواء به هو أو بدعم أحد رجالاته. وهذا ما يفسر امتناع جل القوى السياسية والحزبية الموريتانية عن ردود أفعال على ما تعرض له  جموع المواطنين الغاضبين من قمع على أيدي قوات الشغب، خشية  التقاطع مع القوى الغربية، وحتى تسوق هي نفسها كبديل مقبول ومعتدل في أعين هذه القوى. أيا تكن مصداقية هذه القراءات من عدمها، يبقى النظام الحاكم في حرج شديد جراء هذه القضية ؛ فهو اليوم يواجه ضغطا شعبيا هائلا لإعدام ولد اخيطير . فإما أن يستجيب لهذا الضغط الممارس من كتل بشرية غير سياسية  فيغضب الغرب، وإما أن يصدر فيه حكم دون ذلك فستنهار شرعيته الدينية عند أتباع الطرق الصوفية والعلماء التقليديين و المحاظر ( الكتاتيب) القرآنية والمواطنين العاديين، ومن ثم يصبح صيدا سهلا للدعاية الدينية  التي ستفيد منها حركات الإسلام  السياسي. وقد بدأت فعلا خطواتها الأولى في هذا الاتجاه.  فهل ينجح النظام في تجاوز التداعيات الشعبية والغربية  لهذا التصعيد الذي تسبب في ما لم يكن مخططا له، أصلا.. وبأية آلية...؟ ، هذا ما ستجيب عليه  الأيام القادمة، علما أن الموريتانيين معروفون بقصر النفس وسرعة النسيان، خصوصا إذا طرأت أمور قابلة للتسويق الدعائي ، كالانتخابات، أو مواجهة  إعلامية مع جهة خارجية.... 

 

في نواكشوط المسلمات أحلام

أمبارك يعيش على حلم بسط يمنحه على بساطته سببا للبقاء في هذه الحياة و حافز للجدية في العمل ، فهو الفقير الأمي القاطن الطرف القصي لعاصمة الهموم ، يغادر كوخه يوميا باحثا عن قوته و قوت بطون تركها وراءه ،هم أهله ،زوجة تريد أثاث للكوخ و أبناء يريدون العاب ، وهو يريد لهم كرم العيش و تحقيق الأمان لهم من الجوع و الجهل و المرض ، و الله فعال لما يريد .

حلم صاحبنا بسط جدا و صغير جدا ، إلى درجة لا يلاحه الذين اشرأبت أعناقهم و ازدادت طولا و هم يقتفون أثر أناس كان لهم من حسن الطالع ما لم يكن ل أمبارك  ، أو لم تمنعهم عزة نفس أمبارك و لا عقيدة أمبارك ، من بناء حياتهم على عرق الآخرين و أكل حقوق الآخرين - إلا من رحم ربك -.

أمبارك لا يريد منزلا فخما و لا سيارة فارهة و لا عملا مكتبيا مترفا ،و إنما يريد حماية لكوخه المتواضع – الذي هو قصر في نظره بدفئ الرابطة الأسرية –من اللصوص و المهاجمة جهارا نهارا في ظل انفلات أمني ، و يحلم أمبارك أن يأخذ بأيدي أبنائه إلى مدرسة تعلمهم و تحتضنهم فتحميهم بمنهجها من الضياع في شوارع العاصمة ، في زمن تبنى المدارس لتبقى خاوية على عروشها بغياب المؤطر و إن حضر غاب منهج التأطير و في كلتا الحالتين يترب الأبناء الى الشارع و ينخرطون في سوق العمل ضاربين بعرض الحائط مستقبلهم و آمال أمبارك فيهم ، كما يحلم أمبارك بان يلقي المعاملة المهنية و المسؤولة  إذا ما زار طبيبا أو أخذ أحد أفراد أسرته إلى مستشفى حكومي و هو لا يريد أكثر من حقه في العلاج و الاستشارة ،في وقت يحظى فيه البعض بالعناية لاعتبارات مادية أو جهوية و يترك الكل تحت رحمة الطبيعة الأم ،و ليس كثير على أمبارك حين يريد باصا لائقا و آمنا يوصله مع الحفاظ على آدميته إلى مكان عمله وسط عاصمة المطبات ، حيث وسائل النقل المتهالكة و المفتقدة لأبسط وسائل الراحة و الأمان ، ولا يزال أمبارك يحمل هذا الحلم البسيط جدا و هو يعمل حمالا في السوق المركزي ، راضيا بما يجنيه من دخل يسيره بعقلية مفكر اقتصادي - رغم أميته – و يحلم أن تتحسن وضعيته و وضعية الحمالة عموما ، حتى يستطيع موائمة ظروفه  مع الزيادة المطردة في أسعار المواد الغذائية و الاستهلاكية و الخدمية عموما .

إن حلم أمبارك هو ان يعيش ادميا و يموت آدميا كما ولد آدميا ، وهو أبسط الأحلام إلى درجة لا يصنفه البعض على انه حلم و إنما مسلمة تفرضها الطبيعة الاجتماعية ، إلا أن واقع الناس اليوم و صعوبة الحياة في حياة مدنية فاسدة من المجتمع إلى السلطة ، تجعل من مسلمة حلما يراود البسطاء من الناس الذين انهمكوا في تحقيق الحلم بعيدا عن تجاذبات فكرية و سياسية و بحث عن المصالح الضيقة يشغل أغلب نخبة المدينة عن فهم حلم أمبارك البسيط جدا و الصغير جدا .

 

مهرجان المدن القديمة في موريتانيا بين الهدف الثقافي والمردود السياسي.

قررت الحكومة الموريتانية منذ سبع سنوات تنظيم مهرجان ثقافي  يصادف افتتاحه بشكل دائم مولد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من كل سنة بإحدى مدننا القديمة الأربعة التي تم تصنيفها لدى المنظمة العالمية للثقافة  والتربية والعلوم (اليونسكو) ضمن التراث الإنساني المحمي .

 وهذه المدن هي : ولاتة، وادان، تيشيت وشنقيط.

وتعتبر هذه الخطوة عموما من بين أهم لفتات النظام  السياسي الرامية إلى إعادة الاعتبار لموروث البلاد الحضاري ، حيث مكنت الباحثين والمهتمين بالشأن الثقافي والتراثي من تنشيط جهودهم بغية استخراج إبداعات المجتمع ما قبل الدولة الوطنية،  الذي كانت هذه المدن ميادينه في أخذ المعارف ومبادلة السلع ؛ أي مقابلة الشؤون الثقافية مع الشؤون الاقتصادية . وقد أبرز عنوان آخر مناسبة من هذه المهرجانات ملخصا يترجم أهميتها في شحن الذاكرة الوطنية بأمجاد الماضي وهو(دور الشناقطة الحضاري والتاريخي في الفضاء العربي والإفريقي) . ومع ما مثلته هذه اللفتة من استدراك لمعاني الحضارة وبعث للتاريخ المجيد فإن العائد الحضاري منها مزال مشلولا قياسا بمثيلاته في العالم والأمة والإقليم؛ ويعود السبب في ذلك إلى عدم إدراك المشاركين في هذه المهرجانات من مجتمعنا لأهميتها في إحلال الوعي الشمولي محل الهبة الذاتية الضيقة؛ ولذلك حولوا أنشطتهم من إسهامات ثقافية واستفادات اقتصادية، متنوعة تمثل في مجملها قوة الدولة والمجتمع، إلى منافسات قبلية وحتى أسرية مقيتة لا تفيد، بل إنها تعكس بجلاء مستوى خطيرا من التخلف .

في الأنشطة الثقافة ـ الموسمية التي تنظم داخل البلدان العالمية والإقليمية يكاد يغيب ذكر للسلطة في ضوء الثناء والتمجيد حتى على مستوى المعنيين بالشأن الثقافي لأن شعوب هذه البلدان وحكوماتها تعتبر ـ وذاك صائب ـ أن الثقافة ملك للكل مهما تنوعت ألوانها ومهما اختلفت المهام فيها تبعا لذلك التنوع، بعكس السياسة . ويبدو في مهرجاناتنا أن الصورة قلبت بحيث أعطيت الأولوية في الشمولية للسياسة مقابل تشتت الجهود في خدمة الثقافة ؛ وهذا ما يدفع إلى الاعتقاد بأن الإرادة السياسة أكثر حضورا في هذه المهرجانات من الهدف الثقافي.

لقد لاحظت( قناتنا) في النسخة الأخيرة من مهرجان المدن القديمة، أو الأسبوع الثقافي في مدينة وادان العريقة، حالتين خطيرتين تؤكدان على هذا الاضطراب الحضاري: إحداهما تؤشر مستوى خطيرا من التنافر بين أفراد الأسر والقبائل فضلا عن الصراعات القبلية التي تعمل الأنظمة السياسية منذ تأسيس الدولة على تغذيتها لصالح خدمتها، وخصوصا في  الانتخابات التي هي الركن الأتفه من السياسة؛ حيث عُثر على بعض الأفراد وهم يعرضون موروث آبائهم من المخطوطات كل حسب قسطه. والحالة الثانية تبرهن على أن الهدف من هذه المهرجانات يبدو أنه لم يعد سوى حلقة من حلقات التعبئة السياسية حتى لا يكون هناك عامل ضعف قد يؤدي إلى نقص في الغاية القصوى(الجمهور الناخب). فالكل متحد في التزلف ( نشكر السيد الرئيس) ومختلف  في كل ما سواه.  والأدهى من كل هذا أن عمدة بلدية هذه المدينة العتيقة المعروفة بدورها الثقافي الرائد وعمقها الضارب في التاريخ وغنائها بالتراث، والمناسبة مخصصة لهذا الشأن، لم يتطرق في خطاب افتتاح المهرجان إلى أي موضوع يخدم الحدث واكتفى بشكر الرئيس (على توسعة الكهرباء التي استفادت منها قرية(تللبة)) إحدى القرى التابعة للبلدية وعلى تدشين مستوصف بالمدينة؛ وكأن الرئيس جاء في زيارة عمل  تتعلق بتدشين مشاريع ! بدلا من كونه حضر لافتتاح مناسبة ثقافية تشارك فيها مدن أخرى وبحضور دولي وإقليمي من أهل الثقافة والفن والأدب والتراث!.

إن العائد الحضاري من هذه المهرجانات  لا يمكن التنكر له أو القفز على أهميته ولكنه سيبقى ناقصا جدا مادامت الإرادة السياسية تسعى من وراء هذه المناسبات إلى مجرد احتواء القوى القبلية المستفيدة منها على مستوى الرصيد التاريخي ،فيما كان يجب أن تطبع الحياة الثقافية بطابع الاختصاص . كما يجب على المهتمين بالثقافة والتراث والمختصين فيهما أن يعدوا برامجهم على أساس خدمة  هذه المجالات؛ وليس على أساس التقرب بها لسلطة أو جهة معينة أو تحت أي تأثير. أي بما يضمن المهنية والعلمية؛  ويشترط لبلوغ ذلك الاعتناء بمصادر الثقافة والتراث  الموضوعية والاستعانة بالمحافظين الفعليين عليها، دون اكتراث بالفوضى التشبثية التي بدأت تطغى على هذه المواسم بغرض استغلالها  بأسوأ صورة وأحط هدف..

 

حلب والموصل..  عدو واحد بعناوين متعددة.

في المراحل الأولى  من إدراكنا للخطاب السياسي  أصبنا بالاضطراب عندما كنا نسمع  بعض المحللين يطرحون مسألة الاستعمار وكونه مازال قائما ولكن بآليات تناسب المرحلة فنردد هل هذا واقعي أم هو مجرد تشاؤم يدفعه اليأس من ولوج الخطاب إلى قرائح المجتمع؟ وكان من بين المسائل التي تعقد استيعابنا لهذا النوع من الخطابات مسألة المقارنة بين دول نحسبها مسلمة وأخرى نعتقدها كافرة ونحن عرب مسلمون بالفطرة.

كنا نقرأ من أفكار السياسيين وخاصة القوميين منهم أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتركيا هي دول استعمارية لا تقل شأنا في خطرها على العرب عن أمريكا وإسرائيل وفرنسا وبريطانيا والروس خاصة إيران، ولم تكن هذه الأفكار مقنعة في نظرنا إبان ذاك، غير أن مجريات الأحداث تسارعت لتبرهن لنا على عمق تلك الرؤية التي كانت عصية على الاستيعاب بالنسبة لنا.

لقد ردد الشهيد صدام حسين عبارات ما كانت لتلقى منا القبول لولا أنها من هذا الرجل الذي احترمناه بفطرتنا وتعزز في نفوسنا احترامه كلما تطورت الأحداث وتطو،ر تماشيا معها، إدراكنا لتعقيدات الحياة ومقتضيات الحضارة.كان الشهيد يقول" إن من يعتبر الخميني رجل دين فهو واهم؛ الخميني رجل سياسة مخضرم..." وكان الرأي العام المسلم وقتها يعتبر الخميني داعية مصلحا وأن اتهام صدام له ينطلق من رؤية عدائية، حتى أن البعض اعتبر ذلك زندقة من طرف الشهيد صدام حسين يهدف من خلالها إلى تضليل العرب بدعاية عنصرية وعصبية بغيضة على حد تعبير أصحاب هذا الرأي.

بعدما اتضح على الأقل أن إيران ليست دولة دينية ولا هي دولة مدنية وإنما هي دولة عنصرية فاشستية، لها أطماع حضارية توسعية ظل البعض يعتبرها تنحاز إلى صفوف المستضعفين. وكان احتلال دولة العراق العريقة، من طرف قوى الامبريالية ومن بينها إيران، بالنسبة لهؤلاء حالة عادية ظنا منهم، أوغباء، أن ضعف النظام العراقي البعثي سيفسح لهم المجال للاستفادة مما كانت هذه الدولة تحتكره عنهم!

ومع أن أهل السياسية الوطنيين أصحاب النظريات  القطرية نحوا هذا المنحى فإن المجموعات العربية العفوية في مختلف أقطار الوطن العربي هبت استنكارا لما جرى في العراق فواجهها بعض السياسيين من الصنف الآنف بالتكذيب، قائلين إن هذه مجرد شائعات يحركها البعثيون لتأليب الرأي العام العربي ليشاطرهم في محنتهم وأن الإطاحة بصدام تهدف إلى تمكين نشطاء عراقيين من بناء (دولة العراق الجديدة).

وهكذا جرى احتلال العراق من أمريكا واستوطنته إيران جنبا إلى جنب مع الأمريكيين وغيرهم من حلف الاحتلال واستمر قتل وتشريد العراقيين الأبرياء على مرأى ومسمع من كل قوى العالم وخاصة العرب والمسلمين دون استنكار لحالة الوحشية المتبعة في هذا القطر العربي العريق المحتل؛ وظل الوطنيون الأوفياء لوطنهم وأمتهم يمانعون دون الاستسلام لهذا الاحتلال متعدد الجبهات( إيراني ـ أمريكي- الكيان الصهيوني) بامتياز.

في الأشهر الأخيرة تطورت الاشتباكات بين المقاومة الوطنية العراقية  وميليشيات إيران إلى جانب أتباع أمريكا المدعون (حكومة العراق) فأعلن حلف أمريكا الحرب على مدينة الموصل متذرعا بتمنع مقاتلي الدولة الإسلامية داخلها وساندته كعادتها ميليشيات إيران الفارسية ولا زالت الحرب قائمة مع تواصل انتصار المقاومة.

وفي الآونة الأخيرة تدخلت إيران وروسيا في مدينة حلب السورية لهدف تمكين العائلي- الطائفي  من إعادة سيطرته على هذه المدينة التاريخية ،ولأن المقاومة في المدينتين تختلف من حيث التخطيط  الدفاعي فقد سقطت حلب بأسرع من الموصل؛ ورما كان السبب أن حلب  تدفع عنها قوى متعددة القيادة ومختلفة في التكتيك، بينما يظهر أن الموصل  خاضعة لقيادة موحدة ومتمرسة في فنون القتال والتكتيكات المربكة للعدو. وبرغم أن الإعلام العالمي المعادي للمقاومة الوطنية في العراق يتعمد تجاهل هذه المقاومة وينسب انجازاتها العسكرية لتنظيمات إرهابية، بهدف تشويه صورة المقاومة وتعبئة الرأي العام العالمي ضدها .

 والذي ما عاد يحتاج لدليل أن كل عدو دولي يستهدف قطرا عربيا لتدميره وتشويه صورته الأصيلة و إبادة سكانه ، فإنه يتحالف  تلقائيا مع إيران! وهو ما يعني أيضا  أن جميع القوى العالمية المتمكنة متفقة، كما انتبه إليه رفاقنا السالفون، على تدمير أمة العرب التي تخشى قوى الشر من نهوضها؛ لأن هذا النهوض سيكون بديلا منقذا لشعوب العالم المضطهدة، كما كان في مرحلة ازدهار حضارتها المثالية والمادية .

ويستنج من هذه الأحداث أن ما يسمى بالدولة الإسلامية في سوريا والعراق إما ( وهم) لا وجود له  على  ضوء الحقيقة الماثلة على الأرض. وإما مجاميع مضخمة بغرض التهويل الإعلامي ، تحركها قوى الاستعمار لتشويه الإسلام والمسلمين. فالذين يجابهون النظام  السوري وحلفه الروسي ـ الإيراني هو  قوى الشعب  السوري ممثلا في  المواطنين العاديين الذين  هبوا للإطاحة بنظام جائر؛ فقابلهم بالحرق والتنكيل والبراميل المتفجرة؛  وظلوا مع ذلك مستميتين في وجهه إلى أن استعان عليهم بالقوى العالمية ، ما بين الروس والإيرانيين  و رهطهم من الطائفيين، حزب ( اللات)، وبين أمريكا التي تمنع عن الشعب السوري الثائر السلاح.. وما نريد أن نصل إليه هو أنه في العراق توجد مقاومة وطنية موحدة ومعتمدة على قدراتها الذاتية، وفي سوريا خليط من قوى الثورة ومجاميع الإرهاب الدولي وشبكات المخابرات العالمية

 

فهل يكفي ما يجري اليوم في العراق وسوريا من تحالف قوى الشر ضد حضارة العرب الخالصة للبرهنة على ما نسميه بسياسة المؤامرة؟ أم هو الآخر لا يكفي لإقناع القائلين بأن هذا الظن لا يعدو كونه تحميل العالم مسؤولية عجزنا؟!.

 

أنقذوا حياة أبنائكم من المسلسلات!!

يا أيها الناس قد حلت بكم في هذه الأيام بلوى عظيمة فتحتم لها صدوركم واحتضنتها بيوتكم  أغدقتم عليها من جيوبكم ؛ فأفسدت عليكم أساس مجتمعكم!.. وهل تعلمون أنها أزهقت أرواح الكثير من  فلذات أكبادكم بدم بارد..!! . إنها ، بلا شك، هي هذا الفيروس سريع الانتشار الذي تطلقون عليه بسذاجة  قاتلة " المسلسلات المدبلجة" ، التي أودت وتودي يوميا بحياة آلاف الأفراد من شعبنا أكثر مما حصدته  الأوبئة  وحوادث السيارات على طرقنا المتهالكة، وخصوصا من الأطفال والشباب اليافع، الذين يقتل بعضهم بعضا بعنف غاية في الوحشية. فهل من مراجعة حصيفة للحد أو للوقاية من سيل جارف هدم القيم المجتمعية  أولا، ثم  هو إبادة فعلية للأنفس، ثانيا. إنه الجراد الألكتروني  الذي يأتي على الأخضر واليابس من مختلف نعم الله  التي من بها علينا  سبحانه وتعالى ( نعمة المال، نعمة الحياة، نعمة القيم). وهذه النعم كلها في مهب ريح التسميم  المبرمج  ( المساسلات المدبلجة)، الذي يتحالف مع الأدوية المزورة وانتشار المخدرات  وانفلات الأمن العمومي وغلاء المعيشة والبطالة  وتدني الأجور ضد هذا الشعب المسكين. فلماذا يتعلم منا الأطفال والسذج من الناس أبشع وأخطر وأفتك أنواع إبادة البشر، بعضهم بعضا، بالسكاكين أو بالحرق أو بالشنق أو بالصعق ، تحت  تأثير نشوة الترفيه التي يتلقاها ويتلقفها أطفالنا بشكل منتظم وبقبول الآباء والأمهات. فإلى من نسلم تربية ورعاية أطفالنا في بيوتنا ، هل لمربيات لا يمتلكن من الأهلية ما يمكنهن من تقويم سلوك الأطفال ، فضلا عن تعليمهم مبادئ ديننا الحنيف. والأدهى من ذلك، حين نترك أطفالنا بيد مستأجرات دخيلات على قيم مجتمعنا ودينه ، لا تحملن ذرة من قيم الإنسانية ، يقمن على تنشئة هؤلاء على العري والتفسخ ، وما خفي أعظم.  ولعلكم تلاحظون تضاعف  حالات الشنق والانتحار بين الأطفال والفتيات والفتيان في الأيام الماضية؛ وكلنا مندهش ، يتساءل عن الأسباب .  أيها الناس! تعالوا نراجع  مسؤولياتنا تجاه أطفالنا  لنهتدي إلى أسباب تفشي ظاهرة القتل بين صفوف مجتمعنا.  فيجب أن نتعظ مما  حل بأشقائنا في أقطار أخرى  تطحنهم حروب ؛ وأقرب سبيل لديهم للنجاة من طاحونة الموت هو الفرار من الأوطان إلى المجهول، أو إلى موت آخر! . إن المسئولية في هذا الموضوع ، لخطورته البالغة، هي مسئولية جماعية  تتحملها الدولة بجميع مؤسساتها ، وتتحملها الأسر والمجتمع  والمدارس . وإذا لم نتدارك هذه الوضعية الأمنية والاجتماعية، فستتحول مستشفياتنا ومستوصفاتنا إلى دور لتسجيل الاغتيالات اليومية ، قبل أن يكتسح طوفان الفوضى البلاد ، لا سمح الله..

اللهم إنا بلغنا بخطورة هذه المسلسلات المدبلجات وأنذرنا من عواقبها .. اللهم فاشهد..  

 

الحالة المدنية.. واللغز المحير..!

كنا في أسرة الدرب العربي أول الفرحين والمهنئين بخطوة إصلاح الحالة المدنية واعتماد الأوراق البيومترية  في هذه البلاد التي عنت منذ نشأة الدولة الحديثة من الهجرات القادمة من الجنوب والشمال، وحتى من الشرق، باعتبار أن ذلك يمكن قطرنا من تحديد دقيق لمواطنيه مما سيساهم فعلا في تحقيق الأمن والاستقرار ، وخلق مستوى من الرفاه الاقتصادي والاجتماعي والحد من مستويات البطالة المرتفعة. إلا أنه مع تسارع الزمن في اتجاه إكمال العملية القائمة على إحصاء وتقييد جميع المواطنين ، بدأ المواطنون في التململ من تعقيد الإجراءات ، لأنها أخذت طابع التحصيل والربح على حساب طابع التقييد والإحصاء الذي كان الجميع يعتقد أنه هو الهدف الأول والأسمى للوكالة الوطنية لسجل السكان؛ هذه الوكالة التي يرى اغلب المراجعين لها أنها تحولت إلى وكر للفساد والسمسرة .. فالذي يريد الحصول على بطاقة تعريف لا بد من مروره بمراحل عدة أسهلها وأقلها تكلفة هو أن يتواجد عند المكاتب قبل الرابعة فجرا ، لتبدأ معاناته من ذلك الشرطي الذي يحمل لائحة  مرقمة ، مرتبة حسب من يدفع أكثر  للمشرفين الأمنيين. والأكثر حظوة  هو من يتمكن من تقديم ملفه مع مبلغ أصبح العاملون في الوكالة نفسها ينكتون عليه بقولهم : إن كل ملف يجب أن يحتوي على  ( ألف أوقية لمدير الوكالة !!)  قبل أن يفاجئه رئيس المركز بالقول إن مكتبه يعاني من انقطاع دائم للكهرباء والشبكة العنكبوتية ( وذلك بلغة المرتشين تنبيه على وجوب الرشوة لرئيس المركز)؛ ومن هنا يبدأ فصل آخر طويل وقاس من معاناة  المواطنين  في سبيل الحصول على بطاقة الهوية الوطنية!. ويؤكد أغلب المتابعين لوضعية هذه الوكالة  (  ذات الطابع المهني المتخصص ) أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال  أن تخضع لأمزجة السياسيين  والسماسرة  ، أثناء أدائها لدورها  العمومي. كما لا يجب أن ترهن هذه الوكالة للرغبة الجامحة لرجال النظام  الحاكم ، ليحولوها إلى مصدر للدخل ن أو إلى مصدر من مصادر الميزانية العمومية  على حساب هدفها الأول، وهو الخدمة العمومية ، وليس إلى (اشكارة)  لاستنزاف جيوب المواطنين  الخاوية أصلا ، والمحتاجين إلى المساعدة  على الأقل  في تسهيل الولوج إلى حقوقهم ، التي أولها وأوجبها وأكثرها إلحاحا هو الحق في الحصول على وثيقة مدنية تثبت انتسابه لهذه الأرض...