هل يبيع النظام الموريتاني الأسمدة الزراعية لتنظيمات إرهابية لصناعة المتفجرات؟!

جمعة, 08/26/2016 - 11:07
سيدي الطيب ولد المجتبى

في مطلع يوليو بدأت خيوط قضية ما يعرف بفضيحة سونمكس تتكشف مع أنباء باختفاء مدير فرع سونمكس بروصو اعل سالم ولد عبد الله، وبدأت شائعات تدور حول اختفاء آلاف الأطنان من الأسمدة معه بقيمة مليارات من الأوقية.
اللافت في هذه القضية أنها من بين عشرات قضايا الفساد في ظل النظام الحالي الذي يفرض نفسه منذ 2008 تم فتح

 التحقيق فيها بشكل يبدو جدياً خلافا للعديد من القضايا التي سبقتها، مما يدفع إلى التساؤل عن المستجد في هذه القضية بالذات، وما الذي يجعلها متميزة عن عشرات قضايا الفساد الأخرى؟!
فجل القضايا التي أثيرت في عهد النظام تم التحقيق فيها بشكل سريع دون الكشف عن تفاصيل خيوطها بشكل كبير للرأي، وأبرز تلك القضايا كانت:
ـ في 2008 تم الإعلان عن ملف فساد عرف بملف "الأرز الفاسد" تم اتهام الوزير الأول السابق فيه يحي ولد أحمد الواقف، ولم يطلع الرأي العام على نتائج التحقيق ليتم فجأة الإفراج بحرية مؤقتة عن سراح المتهمين دون محاكمتهم تزامنا مع اتفاق داكار.
ـ في ملف ما يعرف بالخطوط الجوية لم تعرف التفاصيل تماماً، وتم تغريم ثلاثة مدراء سابقين للشركة المفلسة بحكم من المحكمة العليا التي أطلقت سراحهم.
ـ وتم إطلاق ولد خطري مدير PROCAPEC بعد قضائه مدة تفوق الحكم الذي حكم عليه به، وغرم بخمسة ملايين فقط، رغم اتهامه بالمليارات!
ـ ولم يكن ملف ولد الداده الذي اتهم بالإثراء بلا سبب أحسن حالا من سابقيه حيث تم الإفراج عنه بحرية مؤقتة، وهو الآن معين في رئاسة الجمهورية!
ـ وتم إغلاق ملف كبير يتعلق بصفقة ملعب نواذيبو الذي أطاح بوزيرة الثقافة وشمل شبكة كبيرة من ضمنهم زوج الوزيرة (ملازم بحري) وعدة رجال أعمال ومسؤولين إداريين!
ـ ورغم سفور ووقاحة ملف أموال الجيش الذي اعتقل على إثره محاسب بالجيش رفقة تاجر من الوسط الاجتماعي للجنرال، إلا أنه تم الإفراج عن المسؤولين فيه ولا يعرف حتى الآن هل أعيدت الـ 600 مليون المدين بها اعبيدي ولد الخوماني!
ـ ولم يكن الأمين العام لوزارة الداخلية الهادي ماسينا  نشازاً، فقد حظي برحمة الحرية المؤقتة رغم فداحة خطب ملف الفساد الذي حملت له مسؤوليته، فقد أفرج عنه بعد فترة قصيرة!
ـ ولم ير النور مصير مبالغ مالية كبيرة جدا من ميزانية الحرس تم اتهام الضابط عبد الله ولد بيرو ك بها !
ينضاف إلى ذلك عشرات الملفات الأخرى التي لم يتم التحقيق فيها، وأسدل الستار عليها قبل وصولها للقضاء، إضافة لصفقات دولية تمت حماية نافذين فيها من طرف النظام كصفقة الأسلحة مع الصين، والطائرات البرازيلية، واتفاقية الصيد مع هوندنغ.. والقائمة عصية على الحصر.
لا يبدو هناك تفسير واضح لحجم البروباغندا التي صاحبت ملف سونمكس، ولا التمظهر بالتعامل الجدي معه إلا أن يكون الأمر متعلقا:
أولا: تراكم ملفات الفساد وتأثير ذلك على الرأي العام، مما أدى إلى خشية النظام من ضيق الناس ذرعا بمستوى الفساد، وهو النظام الذي يدعي محاربته، فإذا به يستفحل..!
لكن هذا الاحتمال ضعيف جدا لكون النظام في جوهره لا يعبأ بالأمر، ولا يخجل من الفضائح المتتالية.
ثانيا: أن تكون فضيحة الفساد قد أضرت بمصالح بعض النافذين لدى النظام، فأغرى رأس النظام للتصدي لها، ولكن هذا الاحتمال أبعد لكون أبرز الضالعين في الملف مقربون فوق العادة من النظام وكاملو النفوذ مثل رجل الأعمال لعمر ولد ودادي.
ثالثا: تتعلق الأسمدة بصناعة المتفجرات، واختفاء كميات ضخمة منها دون معرفة إلى أين اتجهت يثير المخاوف من وقوعها بيد الإرهابيين، مما استدعى تدخلا خارجيا من الولايات المتحدة التي تراقب المجال بعين يقظة، وربما تكون قد ضغطت على الحكومة الموريتانية للقيام بتحقيق جدي حول الملف لمعرفة مصير الأطنان المختفية من الأسمدة، ويعضد من هذا الاحتمال ما قامت به الولايات المتحدة من إرسال بعثة تحقيق إلى شركة كينروس تازيازت أكتوبر 2015 بعد اشتباهها في تحويلات مالية مُريبة تمرُ من الشركة عبر قنوات غير طبيعية لتصل إلى جنرالات ومسؤولين موريتانيين.
وعلى هذا فيكون التحقيق قد فتح بناء على رغبة الولايات المتحدة التي تراقب الإرهاب  العالمي، وتحاول تجفيف منابعه، خصوصا وأن آلاف الأطنان المختفية تشكل مصدرا مهما لتزويد الإرهابيين في شبه المنطقة بالمواد الخام لصناعة المتفجرات حسب ما يبين الفيديو الموجود على الرابط التالي :
https://youtu.be/-uJrp7_FmCs
وفي موضوع له صلة بالأمر أصدرت الشرطة العرقية في العام 2013  قرارا يقضي بحظر بيع الأسمدة الزراعية في محافظة الأنبار وذلك على خلفية عدة تفجيرات إرهابية تمت بواسطة قنابل مصنوعة من الأسمدة ..
وهو ما دفع شرطة الأنبار إلى منع مُلاك محال بيع الأسمدة والمبيدات الزراعية من بيع المواد الخطرة لأشخاص مجهولين إلا بعد التأكد من أنه مزارع وأخذ نسخة من أوراقه الثبوتية التي تثبت هويته.
وقد لاقت هذه الإجراءات استياء المزارعين ، حيث ورد على لسان المهندس الزراعي محمد عدنان، مالك مكتب زراعي وسط الرمادي في تصريح لصحيفة البوابة العراقية : ”شرطة الأنبار قامت باستدعاء جميع مُلاك محال بيع الأسمدة في سوق الرمادي، وقامت بأخذ معلومات كاملة عنهم، وفرضت إجراءات صارمة أشبه بالتعجيزية على بيع الأسمدة مثل أخذ نسخة من بطاقة الأحوال المدنية (بطاقة تعريفية) وتحديد كمية البيع، ويجب أن يكون فلاحًا ويجب علينا تزويد مديرية شرطة الأنبار بهذه البيانات بشكل دوري.
ويواصل حديثه قائلا: “,”نحن كنا نعاني من الإجراءات التي تفرضها السلطات في التعامل معنا، حيث إننا نعاني من سلسلة من الإجراءات المعقدة التي تبدأ بأخذ الموافقات على إدخال المواد والأسمدة " .
لم تتوقف هذه الإجرءات الأمنية عند هذا الحد ، ففي شهر اكتوبر 2015 أصدرت الأجهزة الأمنية العراقية في محافظة "ذي قار" قراراً بمراقبة وتفتيش متاجر ومخازن الأسمدة الكيمياوية لمنع الجماعات الإرهابية من الإفادة من تلك المواد في صناعة المتفجرات.
وأعلنت الشرطة في بيانها أنه «ضمن الإجراءات الاحترازية التي تتخذها وتنفيذاً للخطط الأمنية بدأت متابعة عمل مخازن الأسمدة الكيمياوية والزراعية بالإضافة إلى مراجعة وتدقيق عمل مكاتب بيعها في المحافظة». وأوضح أن «آلية توريد تلك المواد وطرق صرفها وكيفية التعامل بها يجب أن تكون أمام عين الدولة بكل تفاصيلها، كما يجب التدقيق في نقلها وبيعها وخزنها لمنع استخدامها استخداماً مشبوهاً». وأضاف أن «الكثير من المجموعات الإرهابية بدأت تعتمد على صنع العبوات محلياً لأن عملية التوريد تأخذ وقتاً أطول وأموالاً أكثر، كما تحتاج إلى اتخاذ تدابير من جانب الإرهابيين لتعبر من البوابات الأمنية في المحافظة».
***
فضيحة سونمكس .. اختفاء أسمدة في مدينة روصو الحدودية
لم يعرف الرأي العام الموريتاني قضية فساد أكثر غموضا من "فضيحة سونمكس" التي لم تستطع أي وسيلة إعلامية لحد الآن إيجاد معلومة أو كتابة تحليل لتفسير ذلك اللغز المُحير .. والمتعلق باختفاء كميات هائلة من الأسمدة من مخازن الشركة الوطنية للإيراد والتصدير " سونمكس"
كتبت مواقع صحفية بادئ الأمر عن اختفاء أطنان من هذه الأسمدة ، وتسارعت بعد ذلك وتيرة الأمور والأحداث بشكل أقرب ما تكون إلى الدراما من الواقع ..
أصيبت الحكومة بالإحراج فبعثت بالمفتشية العامة للدولة إلى روصو وهناك بدأت التحقيقات تسير وفق جهات عليا باحثة عن رؤوس صغيرة كي لا يتم إحراج "الكبار" .
فجأة اختفى لمدير الجهوي لشركة "سونمكس" اعل سالم ولد عبد الله لمدة اسبوعين قبل أن يسلم نفسه طواعية إلى السلطات الأمنية في رصو ..
وهناك بدأت معه التحقيقات ليعترف أمام المحققين أن كميات الأسمدة المختفية تصل إلى 16 ألف طن، في حين كان المحققون يتابعون قضية اختفاء 6 آلاف طن فقط،  فيما تشير المعلومات التي لديهم أن 10 آلاف طن موجودة في مخازن الشركة بمدينة روصو. 
وبعد اعتراف مدير فرع "سونمكس" توجه المحققون إلى المخازن رفقة مدير فرع الشركة حيث اكتشفوا أن الأكياس تمت تعبئتها لتظهر وكأنها أسمدة
ليعترف العمال أثناء التحقيق معهم في المخزن أنهم تلقوا الأوامر من مسؤولين رفيعين في "سونمكس" بتعبئة الأكياس بالقمامة ووضعها في المخازن، وذلك مقابل مبلغ 9 ملايين أوقية.

 

رجال أعمال يدخلون على الخط
في صبيحة السبت 30 يوليو استدعى مكتب الدرك الوطني في روصو عددا من رجال الأعمال المزارعين وملاك مصانع التقشير في ولاية أترارزة للاستماع إلى شهاداتهم في ملف الأسمدة المختفية من مخازن الشركة الموريتانية للإيراد والتصدير "سونمكس".
كما بادرت فرقة من الدرك إلى إغلاق مصنع لتقشير الأرز يقع على بعد 7 كيلومترات إلى الشمال من روصو، وذلك بعد ضبط أكثر من 128 طناً من السماد في مخازنه.
لتتوسع الحملة الأمنية بعد ذلك لتطال مصادرة كافة الأسمدة الموجودة في أسواق روصو واستجواب باعتها ومعرفة مصاردها .
وقد شمل التحقيق عدداً من رجال الأعمال يعدون على رأس قائمة موردي الأسمدة في البلاد.
وكانت بعثات التفتيش قد وصلت إلى مدينتي روصو وكيهيدي، في إطار التحقيق في قضية اختفاء آلاف الأطنان من مخازن شركة "سونمكس" في روصو، بعد إعلان افتتاح الحملة الزراعية المعاكسة نهاية يوليو الماضي
كما أصدرت لجنة التحقيق في السياق نفسه قرار يمنع عدداً من الشخصيات من مغادرة مدينة روصو
إلى حين الانتهاء من التحقيق قبل أن تسمح للمدير التجاري والمالي لشركة سونمكس محمد ولد اسبيعي بالسفر إلى نواكشوط فجر الاثنين 8 أغسطس بحجة "تعرضه لوعكة صحية"
و تجدر الإشارة إلى أن ولد السبيعي نفسه كان مديرا لشركة “سبسيال” لتقشير الأرز المملوكة لرجل الأعمال لعمر ولد ودادي قبل تعيينه مديرا تجاريا لشركة سونمكس.
  ***
بداية التسوية
تحدثت مصادر إعلامية مؤخراً عن بوادر تسوية تم إبرامها على عجل بين المفتشية العامة للدولة وعدد من رجال الأعمال والمزارعين الذي تأكد لحد الآن تورطهم في اختفاء الأسمدة وفق مجريات التحقيق ..حيث تقضي التسوية بتعويض مبالغ مالية رمزية بالمقارنة مع قيمة الكميات المختفية التي تقدر بـ 12 مليار أوقية ..
وعلى رأس رجال الأعمال لعمر ولد ودادي الذي تربطه صِلات اجتماعية وزبونية بالجنرال ولد عبد العزيز ، إذ طُلبَ منه تسديد مبلغ 250  مليون أوقية ، وهو الأمر الذي أثار استياء الأوساط الزراعية مُعتبرين هذه التسوية بعيدة كل البعد من كميات الأسمدة الهائلة التي استحوذ عليها بارون القطاع الزراعي لعمر ول ودادي ..
***
بعد التسوية التي تمت مع رجال الأعمال جاء الدور على المفشين الذين تولوا مهمة التحقيقة في اختفاء الأسمدة ، حيث قاما باستجواب جميع الأطراف المتورطة في الملف .
حيث قام النظام بإعفاء المفتش أحمدو السالك ولد ابياه من المهمة التي تولاها طيلة أسابيع استمع خلالها لمختلف أطراف القضية .
وهو الإعفاء الذي لاقى انتقاداً شديدا من الرأي العام الوطني معتبرين إياه صربة قوية لمجرى التحقيق وانحيازا لرجال الأعمال الذين استجوبهم ول ابياه أثناء مزاولته مهامه .
ما زاد الطين بلة والأمر غموضاً هو تعيين عضو لجنة التحقيق في "سونمكس" يوسف ولد الكوري ولد احميتي، مديراً إدارياً ومالياً في الشركة الوطنية لصيانة الطرق "اينير".
ليفسر مراقبون هذين الإجراءين بأنهما بمثابة " تكريم " لعضو لجنة التحقيق الذي تمت مكافأته على انسجامه وتعاونه مع رجال الأعمال المقربين من رأس النظام ، و" عقوبة" وانتقام من المفتش ول ابياه الذي يرى البعض بأنه لم يكن مُطيعا للتعليمات .
***
حرائق سونمكس
حادثة اختفاء الأسمدة وتعبئة أكياسها بالقمامة أعطت المشروعية للكثير من الأسئلة التي لم يجد لها المُحققون أو لم يريدوا لها ـ على الأصح ـ أن تجد أجوبة شافية أو ردوداً مُقنعة ..
يتعلق الأمر هنا بحوادث باتت شبه روتينية واعتيادية في السبع سنوات الأخيرة ، وهي حرائق تندلع بشكل موسمي أو سنوي في مخازن سونمكس تارة في العاصمة نواكشوط وتارة في روصو ..
فهل يمكن أن تكون تلك الحرائق مُدبرة ..أم أنها مجرد حالات عارضة ناتجة عن أخطاء طبيعية رغم أن خسائرها تجاوزت المليارات ..؟!
ولعل من أبرزها كان الحريق الذي اندلع في شهر سبتمر 2015 في أحد مخازن سونمكس في نواكشوط ، حيث "احترق مخزون كبير من الأرز إلا أن المفاجأة كانت عندما لاحظ بعض الحمالة أبخرة بيضاء واكتـُـشف فيما بعد أنها تعود لخنشات من السماد “السام” تم تخزينها إلى جانب أطنان كبيرة من الأرز .
وحسب ذات المصادر فقد حاولت الجهات المسؤولة التستر على الأمر إلا أن الإستعانة ببعض الحمالة لتنظيف المخزن من آثار الحريق كان وراء كشف النقاب عن الحادثة.
وفي شهر دجمبر من نفس العام شب حريق آخر في مخازن سونمكس ، استمر اسبوعين دون التغلب على إطفائه ، تاركاً وراءه خسائر مادية فادحة ..
وهو الأمر الذي دفع أو ربما اضطر مفوضية الأمن الغذائي حينها إلى الإعلان أن المخازن ليست تابعة لها .. لتصدر بياناً استباقياً ، ربما خوفاً من أن تمتد إليها أصابع الإتهام ،
وهذا نص البيان الصادر عن CSA :
" تداولت بعض المواقع الإخبارية معلومات عن تبعية المخازن التي تعرضت لحريق قبل ايام فى مقاطعة السبخة لمفوضية الأمن الغذائي، وتصويبا لتلك المعلومات فان تلك المخازن مملوكة لشركة سونمكس التي أعارتها للدولة لتخزين كميات من الأعلاف متبقية من برنامج بيع العلف بأسعار مدعومة لصالح المنمين لسنة 2015 "
لم تكن هذه الحرائق " المسكوت عنها" هي الأولى من نوعها ولم تكن الأخيرة ، لكن أيَّ تحقيق لم يُفتح في القضية ،  ولم تتم معاقبة أي مدير أو مسؤول في سونمكس ولا حتى مساءلته ..!
***
شراء الأسمدة : ( فساد في الصفقات وابتزاز للمزارعين)
في شهر مارس 2012  نشر موقع الأخبار انفو وثائق ومحاضر أماطت اللثام عن فساد كبير واختلال صارخ في صفقة توفير عدة أنواع من الأسمدة لصالح الحملة الزراعية 2012-2013 .
وقد تم منح الصفقة حينها لشركة 'سوجيكور" المملوكة لأسرة اهل ودادي المقربة من رأس النظام .
وتتطلب الصفقة توفير عدة أنواع من الأسمدة (اليوريا 46% وأمونيوم الفوسفات)، وذلك بعد مناقصة وطنية أطلقتها الوزارة في نوفمبر 2011 من أجل توفير احتياجات الحملة الزراعية من مواد اليوريا، أمونيوم الفوسفات (DAP)، مكافحات الأعشاب الضارة والطيور.
وقد تعهدت شركة "سوجيكور" الفائزة بالمناقصة بتوفير كمية 9000 طن من اليوريا و3.600 طن من أمونيوم الفوسفات، في أجل أقصاه الثالث من شهر مايو 2012   .
لكن الشركة أخلت بالتزاماتها بالجدول الزمني المحدد لتسليم الكمية المتفق عليها في الاتفاق .
ليتضح في ما بعد أن الشركة تراوغ وتماطل وتبتز الجهات الحكومية ـ محمية من رأس السلطة ـ من أجل زيادة مبلغ 612  مليون أوقية على السعر الأصلي للصفقة ، مُبررة ذلك بارتفاع أسعار السماد في الأسواق العالمية ، لكنها في واقع الأمر تستغل الظرف الزمني الدقيق المتبقي دون انطلاق الحملة الزراعية .
بعد شهرين من المماطلة انتفض المزارعون في احتجاجات غاضبة في كل من روصو ونواكشوط مُتهمين الحكومة بارتكاب "جريمة اقتصادية "في حق القطاع الزراعي ، من خلال عدم توفير الأسمدة في الآجل المطلوبة بعد أن التزمت للمزارعين بتوفيرها .
فاضطرت الحكومة إلى البحث عن بدائل أخرى لتوفير بعض الأسمدة لكن لم تستطع توفير أكثر من 400  طن فقط من السماد، فانتهجت سياسة الترشيد واعتمدت منح 15 كلغ فقط من الأسمدة لكل هكتار، بدل 210 كلغم التي كانت مقررة ، وهي الكمية التي يجمع المزارعون بأنها لا تفي بإنجاح أي حملة زراعية .
حينها اضطرت الحكومة لإعادة إبرام الصفقة مع الشركة التي فرضت شروطها من خلال الإبتزاز، واعترف وزير التنمية الريفية إبراهيم ولد محمد المختار بالصفقة المشبوهة التي عقدتها وزارته للحصول على حاجياتها من الأسمدة، وبزيادة بلغت 612 مليون أوقية عن السعر الأصلي للصفقة .
وقد برر الوزير ذلك بقوله أنهم ينطلقون من "مصلحة البلاد العليا، ومن أجل الحفاظ على الحملة الزراعية التي تواجه أخطاراً محدقة بالفشل نتيجة عدم وجود الأسمدة الكافية " ، مُضيفاً أن "اللجنة الوزارية التي أبرمت الصفقة كانت أمام خيارات محدودة، وتحت ضغط الوقت، وضرورة توفير الأسمدة للمزارعين في الوقت المناسب " .
***
أين تذهب الأسمدة ؟
يحق لنا بعد استعراض هذه المعلومات عن الملف أن نتساءل بجدية عن أبعاد قضية أسمدة سونمكس التي لا يبدو أنها قضية فساد عادية..
ويكفي أن ندرك حجم المأساة أن ننتبه لما أدلى به مدير فرع سونمكس روصو أثناء التحقيقات من أن اختفاءه الذي طال أسبوعين كان "بإيعاز من جهات عليا" فأي جهات كان يقصد؟
هل كانت إدارته العليا؟ أم أنه يقصد الجنرال عزيز نفسه؟
يحق للرأي العالم أن يطلع على الحقيقة.
وهل كان من المتأتي فعلا الاختفاء في مدينة صغيرة كروصو لمطلوب في تحقيق كبير مثل هذا، وكلنا يتذكر كيف اعتقل صالح ولد حننا في 2004 فيها أثناء محاولته الانقلابية الثانية!
لا بد أن تلك "الجهات العليا" وفرت له الحماية أثناء اختفائه لترتيب الأوراق، وابتداع رواية مقنعة للطرف الأمريكي المُهتم بمعرفة مصير تلك الـ 16000 طن من الأسمدة!
إلى هنا، تبدو كل الخيوط التي تتبعتها "مدونة التاسفرة" تشير إلى حقيقة مرة ومؤسفة، وهي انخراط الجنرال ولد عبد العزيز رأسا، وبعض من محيطه في الفضيحة؛ والفضيحة هنا لا تتعلق باختلاس كميات الأطنان وبيعها لجهات تجارية وزراعية عادية، بل ـ ربما ـ تم التورط في بيعها لجهات إرهابية، فلا أحد يعرف تماما ما الذي يدور مع المجموعات الإرهابية التي يبدو أنها وضعت موريتانيا في القائمة البيضاء، ولم يعد نظامها بتلك "الطاغوتية"!
وقبل فترة سربت ويكيليكس وثائق تتعلق بمقترح هدنة مع موريتانيا، فهل كان من ضمن بنود الهدنة توريد أطنان من الأسمدة لوسطاء يوصلونها للجماعات الارهابية في المنطقة؟!
لا نمتلك إجابة يقينية في هذا الصدد، ولكننا نطرح مخاوف، ونطارد خيوطا، ونجمع قرائن، جلها تشير بالأصبع إلى تورط ـ ما ـ للجنرال عزيز الذي ربما تأثر بمقاربة الجارة السنغال مع الإرهابيين، حيث تميل إلى هدنة غير معلنة معهم، ولكن ليس إلى هذا الحد .
https://twitter.com/mojteba