في موريتانيا صراع "صامت" على مرحلة ما بعد الرئيس

اثنين, 06/13/2016 - 17:41
محمد سعدن ولد الطالب / روسيا اليوم

مرت نحو أربعين يوما منذ أن أعلن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز في خطابه الشهير بمدينة النعمة عزمه إطلاق حوار سياسي "بمن حضر" في ظرف ثلاثة أو أربعة أسابيع.

 

 

هذا أمر أعاد الرئيس التأكيد عليها بعد ذلك خلال زيارته الخاطفة لمدينة نواذيبو الساحلية، ورغم أن هذه الدعوة الرئاسية لقيت أصداء متفاوتة بين مرحب ورافص، وبين من أعلن رسميا استعداده وجاهزيته للدخول في الحوار، كأحزب "التحالف" والوئام" وغيرها، إلا أن الأمر "تجمد" فجأة وخفتت كل الألسن التي كانت تتحدث عن الموضوع سلبا أو إيجابا، وغابت التفسيرات والتبرايرات لهذا النكوص والتخلي عن الوعود الرئاسي الجازم ، وكأن جهة أما أرادت أن توقف الأمر عند هذا الحد لأسباب لا زلنا نجهلها..

 

 

وبينما كان الموريتانييون يتوقعون حوارا سياسيا بين الأغلبية والمعارضة، بدا فجأة أن الطيف الموالي ليس بتلك الدرجة من الانسجام، وتفجرت أزمة مفاجئة لا زالت تداعياتها تحفر عميقا رغم التسوية الظاهرية التي حصلت، فليس من المألوف ولا من المستساغ أن يصل الخلاف داخل بيت الأغلبية إلى حد أن يثور البرلمانيون على رئاسة حزبهم ويوقفوا التعامل مع حكومتهم احتجاجا على ما اعتبروه إهانة لغرفة "مجلس الشيوخ"، مطالبين بإقالة بعض الوزراء وتغيير قيادة الحزب..

 

 

هذا الخلاف المفاجىء في حجمه وتوقيته داخل الأغلبية، رأى فيه البعض صراعا "صامتا" على مرحلة ما بعد الرئيس عزيز الذي جدد مؤخرا أكثر من مرة عزمه احترام الدستور والانصراف بعد نهاية ولايته الحالية، وهو صراع يؤشر إلى قناعة لدى البعض بوجود أكثر من خليفة محتمل للرجل، رغم أن العارفين ببواطن الأمر يعرفون جيدا أن الأمر قد قضي، و أن "الطبخة قد استوت" وأن المدنيين فيها لن يكونوا أكثر من أعوان لعسكري من دائرة النفوذ الحالية، سيخلع بزته ويرتدي حلة مدنية ...

 

 

الخلاف داخل الأغلبية والصمت المطبق بشأن الحوار بالإضافة إلى تأكيد الرئيس من جديد عزمه احترام الحوار، كلها أمور قد تفسر تراجع حدة خطاب المعارضة الراديكالية، وهو أمر يعني أن ثمة تفاهمات تجري بعيدا عن الإعلام لرسم ملامح حل توافقي للمرحلة المقبلة، أو على الأقل ربما يعني الأمر أن الجميع اتفق على تهدئة الساحة المحلية ريثما تنصرم القمة العربية المقبلة المقررة نهاية يوليو في نواكشوط، وينصرف الضيوف، على اعتبار أن التجاذب السياسي في هذا الظرف قد يكون له أثر سلبي على التحضيرات الجارية لهذا الحدث وعلى صورة البلد بشكل عام أمام الضيوف ووسائل الإعلام التي ستسلط عدساتها عليه، وهو أمر لا يخدم أحدا سواء من الأغلبية أو المعارضة..

 

 

تبدو المؤشرات كلها وكأنها تحيل إلى تأجيل غير معلن للحوار السياسي إلى ما بعد القمة العربية، سعيا لتهدئة الأجواء لهذا الحدث، وأيضا بهدف منح الفرصة لمزيد من التشاور والحوارات خلف الكواليس التي قد تؤدي في النهاية إلى إخراج حبكة توافقية ترضي كافة الأطراف، وتقدم إجابات واضحة لمرحلة ما بعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي وتؤسس لعقد اجتماعي جديد ينصف كافة الفئات ويبلور دولة قانون تحتفي بالجميع وتمنح الفرصة لكل أبناء موريتانيا لكي يساهموا في صناعة حاضر ومستقبل بلدهم.