أدب الطفل ضحية الإهمال و الرشد الاستعلائي

أحد, 05/08/2016 - 10:08
الولي ولد سيدي هيبه

هل كان يوسف عليه السلام إلا طفلا حين أدرك و اطمأن في غياهب الجب على الأمانة التي سيحملها عند البلوغ؟ و هل كان عيسى عليه السلام إلا من كلم الناس في المهد و هو صبيا ليدحض تهمتهم المنكر لأمه مريم العذراء؟ و هل كان موسى عليه السلام إلا الذي تناول جمرا دون تمر لينخدع فرعون و يمضي الأمر إلى يوم اكتمال الرشد و الاستعداد لأداء الرسالة؟ و هل الصبي الذي قتله الخضر الذي علمه الله من لدنه علما صحبة موسى الكليم إلا الجبار الذي لولا الموت صار جبارا في الأرض يفشي الظلم و ينشر الخراب؟ و هل أن الحبيب و رسول الله الأمين خاتم الأنبياء و المرسلين صلى الله صلى عليه و سلم إلا ذاك الصبي المصطفى الذي شق الملكان صدره ليحفظه المولى من أدران النفوس الأمارة بالسوء و ليخصه بالعصمة و حمل آخر رسالة إلى العالمين؟ و هل بالنهاية مرحلة الطفولة إلا خزان الرشد عند البلوغ و التأني عند الكهولة و الحكمة عند الشيخوخة بما تنضح به كل مرحلة في حيز قدرتها على العطاء و  دائرة مجريات أحداث الحياة و سياقاتها و متطلباتها و خصوصياتها و مناهج السعي فيها؟

نعم هي التساؤلات الضمنية إلى جانب التساؤلات المنهجية التي أجابت عنها بشمولية تامة المحاضرة القيمة التي قدمها الدكتور محمد الأمين ولد كتاب بالتناول الأكاديمي الرصين في سياق موضوعها عن "وضعية أدب الطفل في العالم العربي، موريتانيا نموذجا". و هي المحاضرة التي دخلت من غير استئذان في صميم المطلوب بإلحاح من المعالجات المستعجلة لبلد لا يمتلك:

·        بوصلة تهدي إلى بر الدولة السوية في سفينتَه المتعثرة و المترنحة وسط هدير بحر الحاضر الهائج،

·        و لا مقررات علمية و تربوية و منهجية نابعة من وعي المسؤولية تجاه الناشئة و عن دراية ترسم و تحدد الأولويات القصوى و توجهها في معركة إثبات الوجود و بناء القدرة على الاحتكام إلى العولمة التي لا تبدي اهتماما أو تعير بالا إلا للجديرين بالسير على خطاها داخل فضائها و مخر عباب بحرها اللجي، و للقادرين على تصريف أفعالها في الحاضر و المستقبل بكفاءة عالية.

و في هذا النسق، الذي يحاصر بإلحاحيته الدولة في دائرة ضعف سعيها إلى تكريس الحداثة و المدنية، تنزلت على حين غرة المحاضرة القيمة مساء السابع مارس الجاري في نواكشوط  و سجلت أعلى النقاط و أحسن المشاركات الفكرية، من قبل كوكبة من الدكاترة و الأكاديميين و الكتاب و النقاد. كما استطاعت أن رفع حصار عقدة الاستعلاء المعرفي المهيمن على الأولويات الصغيرة بعنوانيها و لكنها الجوهرية في قيمتها و تناولها من حيث تتقمص أهم المواضيع و أدقها و أكثرها حساسية و استعجالا، علما بأنها المنطلق الصحيح و الهدف المنشود كما هو الطفل و أدبه الذين إن تخلفا في الصميم عن أية عملية تنموية و لم يكونا في صدارتها بل و لبها يوجهان إلى البناء السليم و يسعيان إلى استمرار الكيان، تكون عملية تنموية خاسرة، و تؤول الجهود المبذولة فيها إلى الخور و يصدر الحكم على البلد بالزوال البطيء قائما و نافذا. فمهما كبر الإنسان و شاخ فإنه سيظل طفلا يسع عقله في نموه كل الحكمة و الرشاد و العلم، و إن كل بناء "أدب الطفل" و إعداد مادته يأتي من مخيال الكبار الذين لم يغادر يوما جوهرهم الصبا يُحَمِلون متنَه كل مقدرات تربيتهم للناشئة كما تم تحميلهم إياها وقت تربيتهم و هم صغار على ذات النهج القويم و العمل بذلك على تأصيل قيم المجتمع و خصوصياته و دفع ورثته إلى مزيد من التمسك و بناء الذات و الوطن.

فهل يتم استيعاب مضامين المحاضرة و هل يجد أدب الأطفال أطفالا من الكبار يعملون على تكبير و توسيع دائرته و يرفعون شأنه خدمة للوطن في معركة النهوض بالكيان؟

و معلوم أنه بات من المعلوم و البديهي أن أنجح الأفلام اليوم و أكثرها روادا من الكبار في "هوليوود" و "بوليوود" و السينما الأوروبية ة الصينية و الشرقية عموما و أمريكا اللاتينية و أستراليا و "نوليوود" نيجيريا و "عرب وود" هي من دون منازع أفلام النشء، لأنها على قدر ما يريد الكبار من الحيوية و الذكاء و الطهر و البراءة.

إن هذه المحاضرة التي حملت هم أدب الأطفال الكبير بالتناول الممنهج، استطاعت أن تحدث ثقبا في جدار الرتابة و تقطع الطريق على استحواذية المواضيع المكررة التي لا تحمل في مجملها على التفكير الجاد الحامل على بناء بلد ما زال بعيدا عن جادة المسار الأممي إلى آفاق العولمة في شقها البناء.