قصتي مع التعيين في المناصب والتوشيح بالأوسمة

خميس, 04/28/2016 - 15:13
محمد الحافظ بن محم  ببكر 25 ابريل 2016م

في نهاية السنة الماضية (2015) استفدت من حقي في التقاعد بعد (40) سنة من الخدمة في الإعلام الحكومي، لم أعين خلالها في مجلس الوزراء الذي يعين المسؤول الأول والثاني من المؤسسة التي أعمل بها، ولم أوشح خلالها بوسام بمناسبة ذكرى الاستقلال الوطني.. ومع ذلك أغادر هذه الخدمة العمومية وأنا مرتاح الضمير لأنني أديت عملي بإخلاص وبذلت فيه أقصى جهدي.

 

وما كان لي أن أكتب في هذا الموضوع لولا أني أشعر أن هناك خللا بنيويا في تقييم موظفي ووكلاء الدولة، ولئن كان قد ظلم بسببه بعض من غادروا الخدمة، فيجب أن لا يستمر ظلم من بقوا.

 

ومن أمارات ذلك تجاهل اقتراحات المسؤولين المباشرين للموظف الذين هم أدرى به من غيرهم.

 

*اقتراح بالتوشيح*

 

وقد وقعت لي حادثة في آخر فترتي في العمل سأسردها كدليل على ما ذكرت:

 

في مستهل نوفمبر الماضي اتصل بي السيد / يربه ولد اسغير المدير العام للوكالة الموريتانية للأنباء، وهو آخر مدير عملت معه، وقد عملت مع (16) مدير قبله، وهو يحظى عندي بتقدير خاص لأخلاقه الفاضلة ولنزاهته وكفاءته.. اتصل بي ليستفسرني عما إذا كنت قد سبق لي أن وشحت بوسام في عيد الاستقلال الوطني فأجبته بالنفي، فاقترحني للتوشيح، واتصل بي بعد ذلك مدير الشؤون الإدارية بالوزارة المكلفة بالإعلام وطلب مني معلومات لإعداد الملف، وبعد تخليد ذكرى الاستقلال الوطني قام السيد/ محمد الامين ولد الشيخ وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني بتوشيح فريق من الموظفين ولم أكن من بينهم.

 

حينها قلت للمدير العام للوكالة الموريتانية للأنباء أنت وشحتني لأنك اقترحتني أما الجهة التي لم تأخذ باقتراحك فلا بد لي أن أعرفها وأعرف مبررات ذلك.. فاعتذر لي بأنه لم يجد الوزير فقبلت عذره، واستخدمت طرقي الخاصة، فاعتذر الوزير لمن اتصل به بأنهم أرسلوا الاقتراح إلى الرئاسة وبأن الرئاسة أرسلت إليهم اللائحة التي وشحوا.

 

وبسهولة قبلت عذر السيد الوزير للأسباب التالية:

 

1 – لأنه لو كان معترضا لما أرسل الاقتراح

2 – لأنه كوزير مكلف بالإعلام لا يمكن أن يعترض علي من الناحية الأخلاقية، فلا يوجد أحد من جيلي من الصحفيين المكتتبين سنة 1975 مرشح للتوشيح سواي والزميل محمد يحي ولد حي (والزميل محمد يحي تم توشيحه ضمن هذه المجموعة).

3 – لأنه كوزير هو الوحيد من الوزراء المعين من مقاطعتي (مقاطعة اركيز) وأنا الوحيد –حسب علمي- المرشح من مقاطعة اركيز.

 

*عتب أهل اركيز*

 

ونحن في مقاطعة اركيز نعتبر أننا عبر تاريخ الدولة قد غمطنا حقنا في التعيينات خاصة في المناصب العليا، على الرغم من أننا كنا من أوائل من تخرج من المدراس حتى في العهد الاستعماري.. وكان منا ثلاثة من أبرز المترجمين في ثلاثينيات القرن الماضي (وسلك المترجمين هو أول سلك وظف فيه المثقفون الموريتانيون)، وهؤلاء الثلاثة هم : المرحوم أحمدو ولد حرمه ولد ببانا، والمرحوم محمد ولد الشيخ الحسن، والمرحوم محمد عبد الله ولد المختار الملقب العلوي.

 

وكان منا زعيم الحركة الوطنية وأول نائب في البرلمان الفرنسي الزعيم أحمدو ولد حرمه الذي فاز في انتخابات 1946 ضد الفرنسي ايفون رازاك.

 

وكان منا وزير في حكومة الاستقلال الداخلي (1958) هو الدكتور محمد المختار بن اباه –أطال الله بقاءه-.

 

وكادت تنقضي فترة رئاسة المختار ولد داداه للدولة دون أن يعين وزيرا من مقاطعة اركيز، لأنه يعتبر كل ساكنيها داعمين للزعيم الوطني أحمدو ولد حرمه.. غير أنه في سنة 1975 تم تعيين المرحوم أحمدو ولد الطلبه وزيرا للثقافة.. جاء ذلك على إثر جولة قام بها الرئيس المختار ولد داداه للولاية الرابعة (كوركول) وأعجب فيها بالمرحوم / أحمدو الذي كان مفتشا للولاية وتولى الترجمة في الجولة المذكورة –كما قيل حينها-.

 

وفي سنة 1977 عين المرحوم المختار السيد / محمد الحافظ النحوي وزيرا للإعلام على إثر أدائه السياسي المتميز في دمج الشباب بحزب الشعب الموريتاني.

 

ولم يكن أهل اركيز أكثر حظا في العهد العسكري، لأنه لا يوجد فيهم ضباط سامون من أعضاء اللجنة العسكرية، فأول وزير من مقاطعة اركيز في ذلك العهد كان المرحوم / محمد لمين ولد احمد ولد جوج الذي عين كاتبا للدولة مكلفا بمحو الأمية سنة 1987 ثم وزيرا للإعلام وتولى عدة حقائب وزارية، وجاء تعيينه لأول على خلفية زعامته لحركة الحر، وعلاقته بحاشية الرئيس معاوية.

 

وفي سنة 2002 عين الرئيس / معاوية السيد/ محمد ولد الطلبه وزيرا للخارجية، وذلك على إثر صراع حاد بين أقطاب السياسة في اركيز حظي فيه جناح محمد ولد الطلبه بهذا التعيين.

 

وفي سنة 2008 عين الرئيس / سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله السيد / عبد الله السالم ولد المعلى وزيرا للإعلام، في خطوة اعتبرت حينها على أنها إنصافا لهذه المجموعة القبلية التي لم يعين منها وزير في عمر الدولة الموريتانية.

 

وعين الرئيس محمد ولد عبد العزيز حتى الآن ثلاثة وزراء منحدرون من مقاطعة اركيز هم:

 

-         الدكتور / الشيخ المختار ولد حرمه ولد ببانا وزيرا للصحة، وكان من أوائل رؤساء الأحزاب السياسية الذين دعموا الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وجاء تعيينه كذلك للاستفادة من خبرته الواسعة في المجال الطبي خاصة خارج البلد.. مع أنه ابن الزعيم الوطني أحمدو ولد حرمه ولد ببانا الذي ناضل من أجل عزة وكرامة هذا الشعب ويستحق عليه الكثير.

-         السيد / عثمان كان وزيرا للمالية، وهو خبير دولي في المجال المالي.. وله تجربة غنية في المؤسسات المالية الدولية.

-         السيد / محمد الامين ولد الشيخ الذي يتولى حاليا وزارة الثقافة وعين قبل ذلك في وزارة المجتمع المدني والعلاقات مع البرلمان المكفلة بالإعلام.. وقد عين لأدائه السياسي، حيث أنه انسحب من حزب التكتل الديمقراطي بعد انتخابات 2009 الرئاسية، واستطاع هو وحلفاؤه السياسيون أن يحولوا مقاطعة اركيز إلى مقاطعة داعمة للرئيس محمد ولد عبد العزيز، وعين هو على الفور أمينا تنفيذيا في قيادة الحزب الحاكم.. وتحت قبة البرلمان كان من أبرز النواب ولاء ودفاعا عن النظام.. وأفادته في ذلك ثقافته المشرقية حيث أنه عاش ودرس في المشرق العربي.

 

منذ استقلال البلاد وحتى اليوم (56) سنة عين (8) وزراء ينتمون لمقاطعة اركيز، هذه المقاطعة التي تأتي في الترتيب الثالث على المستوى الوطني بعد مقاطعتي عرفات والنعمة من حيث عدد الناخبين.

 

وعليه فإنها تستحق عناية أكبر، خاصة أن فيها من الأطر ما يؤهلها لذلك:

 

*لقد فهمت الوزير*

 

قلت أنني تفهمت أن الوزير محمد الامين بن الشيخ ليست لديه مسؤولية في عدم توشيحي، لأن الوزارة أرسلت الملف والرئاسة لديها معاييرها الخاصة.

 

سأنهي الحديث عن موضوع التوشيح بملاحظتين:

 

الملاحظة الأولى: أنني وفي عدة مرات اشتركت على مستوى الوكالة الموريتانية للأنباء في اقتراح من يستحقون التوشيح في المؤسسة، ولم أتطلع لأن أكون منهم، لأنني دائما أرى أن في الوكالة من هم أجدر مني بذلك، خاصة أنني أعتبر أن الأولوية للعمال العاديين وليست لمن يتحملون مسؤوليات في المؤسسة.

 

الملاحظة الثانية: أنني أدرك مذ كنت طفلا أهمية الأوسمة والميداليات فوالدي (احمد بدي ولد محم) رحمه الله المتوفى سنة 1971 حاصل على وسام فارس في نظام الاستحقاق الوطني منذ سنة 1967 موقع من طرف الرئيس المختار ولد داداه، وقد حصل الوالد على ذلك لخدمته لمجتمعه حيث كان من الشيوخ التقليديين.. ولا شك أنني أعتز بما حصل عليه والدي رحمه الله.

 

*ضحية لتجاهل الترقية الداخلية*

 

أما قصتي مع التعيين فقد انقضت كل –أو جل- فترة ممارستي للعمل وأنا معين في منصب إداري، فقد اكتتبت في ابريل سنة 1975، وقبل انطلاقة جريدة "الشعب" اليومية فاتح يوليو 1975 كنت قد عينت رئيسا للقسم الوطني، وتدرجت إلى رئيس مصلحة ثم رئيس تحرير ثم إلى مستشار ثم إلى مدير.. كل ذلك في نطاق المؤسسة العمومية التي تتبع لها جريدة "الشعب" (الشركة الوطنية للصحافة، الشركة الموريتانية للصحافة والطباعة، الوكالة الموريتانية للأنباء).

 

هذه التعيينات في نطاق المؤسسات العمومية تقع في نطاق هيكلة إدارية يقرها مجلس الإدارة، ويتولى المدير العام للمؤسسة بالتشاور مع الوزير الوصي تعيين الأشخاص المؤهلين لذلك.

 

ومن المفترض أن الترقية الداخلية في المؤسسات تتم بالتدرج من رئيس قسم إلى رئيس مصلحة إلى مدير إلى مستشار.. وحينما يكمل العامل هذا المسار، من الطبيعي أن تتم ترقيته إلى مدير مساعد ثم إلى مدير عام.

 

وبالنسبة لي فقد أكملت هذا المسار (إلى مدير ومستشار) في أواسط التسعينيات، وأصبح المديرون العامون معي يرغبون بل يسعون إلى تعييني مديرا عاما مساعدا في المؤسسة، لكن تعيين المدير المساعد والمدير العام لا يتم إلا في مجلس الوزراء، وهو تعيين سياسي.

 

وللأمانة التاريخية أقول أنني لم أطلب من أي مسؤول تعييني في منصب معين طيلة مساري المهني –والحمد لله رب العالمين-، وقد سعى البعض من أجل تعييني خاصة من المديرين العامين الذين عملت معهم والله يجازيهم عني أحسن الجزاء.. ولم أكن أرغب في أن يتوسط لي أحد من أجل التعيين، فكنت أعتبر ذلك مسؤولية الدولة.

 

وقد مر بي (من 1975 إلى 2015) من الوزراء أربعون تولوا وزارة الإعلام غالبيتهم لا يعرفونني ولا أتذكر أنني زرت أحدا منهم في مكتبه إلا في مهمة عمل.

 

أما الرؤساء الذين عملت في فتراتهم (من المختار ولد داداه إلى محمد ولد عبد العزيز) فلم أسع للقائهم.

 

وأعتبر أن عدم تعييني في المناصب التي يعين فيها مجلس الوزراء هو بسبب غياب آلية للترقية الداخلية في المؤسسات العمومية واستشراء الوساطة والمحسوبية في إدارتنا.. ولست الضحية الوحيدة لذلك فهناك الكثير من الأطر الأكفاء الذين خدموا وما زالوا يخدمون الدولة بصمت ومسؤولية، وما يلبثون أن يسقط عليهم –كإسقاط المظليين- مسؤول هم أكثر منه أحقية في مؤسساتهم التي أعطوها خبرتهم وجهدهم.

 

والواقع –كما قال الشاعر محمدن بن حمين- أن:

هذي التعايين أقدار مقدرة *** ومثلها عدم التعيين أقدار

-ولله الأمر من قبل ومن بعد-

-رضينا بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم-.