موريتانيا.. قرية جدة تعيش على الهامش بسبب الإعاقات المتوارثة

خميس, 11/05/2015 - 12:00

على بعد نحو 235 كلم شرق العاصمة الموريتانية نواكشوط وعلى طريق الأمل الذي يربط عاصمة البلاد بأقصى المحافظات الشرقية تقع قرية جدة التي يعيش أغلب سكانها وضعا إنسانيا بالغ الصعوبة بفعل توارث الإعاقات العقلية والحركية وهو ما جعل أغلبهم عاجزين عن أداء وظائفهم الطبيعية في مراحل عمرية مبكرة بفعل الإعاقات البدنية المختلفة.

 

تحت خيم وأعرشة  الحي البدوي يعيش أولائك المعاقون ،وهم بالعشرات، على هامش الحياة في بلد تنعدم فيه مراكز الرعاية الصحية وتأهيل المعاقين. سلاحهم الأوحد للصمود والتشبث بالحياة رغم المصاب هو الرضا بالقضاء والقدر.

 

السالمة منت ورزك سيدة من سكان الحي المنسي  تعيش على أعتاب العقد الرابع من عمرها وقد أصيبت بإعاقات حركية في الأطراف أعجزتها عن القيام بأغلب حاجياتها الشخصية. تقول السالمة إن إعاقتها بدأت تظهر تدريجيا وهي في مطلع عقدها الثاني قبل أن تصير اليوم مهددة بملازمة الفراش قبل إكمال عقدها الرابع موضحة أن العديد من أفراد محيطها الاجتماعي أصيبوا أيضا بإعاقات مختلفة بينها العمى والشلل وارتجاف الأطراف، لكن عندما تسألها عن السبب تجيبك دون تردد (هذا قضاء وقدر من الله).

 

ولا يختلف حال السالمة كثيرا عن حال سيدي ولد علين (27 سنة) الذي كان يعمل هو الآخر جزارا قبل أن يفقد الكثير من وزنه ويصاب بالعمى وارتجاف في اليدين وهو ما اضطره إلى القعود عن مزاولة مهنة كان يؤمن منها حوائجه الخاصة ويطمح لبناء أسرة.

 

يستذكر سيدي بمرارة سنينه الخوالي وما كان يتمتع به من لياقة بدنية موضحا أنه مع ظهور أعراض الإعاقة اكتفى بالاستشفاء عند المشايخ الروحيين وبعض الأطباء التقليدين دون أن يعرض نفسه على الطب الحديث. وقد كان يمني النفس باستعادته لعافيته لكن أمانيه تبخرت سرابا ولم يعد هناك بد من مواجهة القدر، مطالبا السلطات الرسمية بلفتة تضمن تأهيل المعاقين وتغيير واقع سكان القرية إلى الأفضل ومنحهم بعض التمييز الإيجابي والعمل على تغيير نظرة المجتمع لهم.

 

وتبقى السالمة وسيدي مجرد نموذجين من حالات أناس كثر في  تلك القرية الوادعة توحدهم هو مأساة تتعدد أسبابها وأنواعها وتأثيراتها بتعدد ضحاياها وتنوع أجناسهم وفئاتهم العمرية ولا توجد إحصاءات أو بيانات رسمية دقيقة بأعدادهم ولم تسمح لهم الظروف المادية بالعلاج في المستشفيات.

 

إعانات حكومية

 

وفي ظل غياب إحصاءات رسمية دقيقة ومحددة لأعداد المعاقين في قرية جدة إلا أن جهودا رسمية قد بذلت لمساعدتهم واستفادت منها أسر الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة والدخل المحدود عبر تقديم مبالغ مالية ومواد غذائية فضلا عن إنشاء هيئة للشؤون الاجتماعية بمركز الاستطباب الجهوي في عاصمة الولاية تحت وصاية وزارة الشؤون الاجتماعية. وتضم في عضويتها إلى جانب منسقة الشؤون الاجتماعية على المستوى الجهوي عددا من المنتخبين والأطباء وأسندت لها مهمة التكفل بأعباء علاج الأفراد المعوزين حسب الجهات الرسمية.

وتقول توتو منت يعقوب وهي المنسقة الجهوية لقطاع الشؤون الاجتماعية في محافظة لبراكنه إن القطاع قدم العديد من الخدمات الصحية والغذائية والرعاية لسكان القرية بالتعاون مع شركائه، ويسعى حاليا للحصول على دعم يمكنه من تنظيم استشارات طبية مجانية وكذا تقديم بعض الأدوية للمحتاجين في منازلهم، كما سبق وأن قام بتوفير عدد من الكراسي المتحركة والأعمدة للمعاقين.

وتطالب منت يعقوب جميع الجهات العاملة في المجال الخيري والإنساني من جمعيات خيرية  وجهات غير حكومية مهتمة برعاية المعاقين والتكفل بأصحاب الحالات الإنسانية الخاصة إلى تنسيق الجهود مع قطاعها كي يستفيد سكان الأرياف والمناطق الأكثر هشاشة من أي عملية تدخل مستقبلية بدل تشتيت الجهود حسب قولها.

 

رأي طبي

ويري الأطباء أن للإعاقات الوراثية أسباب كثيرة منها ما هو وراثي ومنها ما هو مكتسب مؤكدين أن الطب الحديث استطاع أن يحدد حتى الآن  25 % فقط من أسباب الإعاقات بينما لا تزال  أسباب 75 % منها تقريبا غير محددة إلى اليوم.

ويقول الطبيب العام عبد الله ولد سعيد  إن من بين أسباب الإعاقات الوراثية هو زواج الأقارب وكذا الأمراض التي تصيب الأم الحامل، موضحا أن العوامل المكتسبة تلعب دورا محوريا هي الأخرى حيث يصاب الشخص أحيانا بفعل تنشئته الاجتماعية أو حتى نشاطه البيئي.

لكن ولد سعيد يرجع أسباب الإعاقات الوراثية في بلدة جدة إلى سببين رئيسيين أحدهما يتعلق بزواج الأقارب حيث يحمل الزوج والزوجة جينات المرض وتنتقل منهما إلى الأبناء والأحفاد، في حين يتمثل السبب الثاني في أمراض وراثية لا علاقة لها بالقرابة بين الزوجين.

ويختم ولد سعيد بالقول إن الأمراض الوراثية منتشرة في موريتانيا بفعل عدم اعتماد الفحص الطبي قبل الزواج كما هو حاصل في بعض البلدان.