من هانت عليه نفسه عبر عن حاله بمفردات خصومه 

خميس, 08/13/2020 - 23:30
باباه ولد التراد

قد يكون الصمت أشد خطرا من الخيانة والجبن و الارتزاق والتواطؤ، فعندما يعتقد معظمنا أن التقدم ملحاح يتم بمرور الزمن ، وأن كل ما هو لاحق يتطورباستمرار على ما سبقه ، فهذا عجز فى موازنة الفكر و التنظيم وتفريغ للمحتوى الابداعي من كل طاقة أو رمق ، وهذا هو الذي تسعىى إليه بعض النخب

المستلبة ، التي ترتهن للآخر ،  وتحتكر المنابر وتنشر الآراء المغشوشة في كل سانحة تتخلص فيها من خصومها المثقفين والمناضلين الشرفاء.

كما تدرك هذه النخب أن عليها الالتزام المطلق بشرط الولاء للخطاب الغربي فتكرس سرديته  و تساهم بنشاط فى تحقيق الاجندة الأجنبية خصما على أي بديل ، ففى حالات بعينها قام الغرب بتصدير الثقافات الاستعمارية في تلك الامتدادات التابعة والخانعة ، و بقيت معظم النخب المتماهية مع هذه الثقافات تردد ما تعلنه السياسات الاستعمارية و تعيد انتاج ما يكتبه الانتروبولوجيون و السوسيولوجيون الغربيون .

و لعل مصيبة بعض هذه النخب خصوصا العربية منها تعود الى أنها صنعت من التعليم الغربى أو المغرب ، لذلك فهي تزدري بالموروث الثقافي لحضارتها ، و تصم مجتمعها بالتخلف الابدي ، مثلما ينكر كافة الليبراليون والشعوبيون حقيقة أن يكون لأبناء الوطن المدافعين عن الهوية القدرة على التطور والابداع ، في حين أن هذه النخب تقصر عن بلوغ كنه الثقافة الغربية التى تنتحلها مطمئنة لما تقول دون أي بحث عما تقصد حقا ، مع أنها تدرك أن بعض الكتاب والثوار العروبيين والكونيين تجاوزوا المحلية جراء فكرهم ونضالهم وأمانة انتمائم الى الشعب .

غير أن مفردة الشعب هذه تعني غالبا التنوع رغم توحد معظم مكوناتها حول مصالح وٱمال وغايات و طموحات يحدوها النزوع للحرية والكرامة ، إلا أن تكييف الموروث الثقافي والأخلاقي لمختلف المكونات العرقية ، لايقتضي بالضرورة الاستلاب اللغوي والحضاري والخلود المطلق في الطرف السفلي لثقافة ذلك الاجنبي المحتل .

ومن هنا فإن المشتركات الكثيرة التي تربط العلاقات الحميمة بين مكونات شعبنا لايمكن تجاوزها ولا الاعراض عنها ، ومعلوم أن من أهم المشتركات الخالدة لهذه المكونات ، هي الدين الإسلامي الحنيف ، واللغة العربية ، والوحدة الوطنية  .

وإذا كنا قد استوعبنا لماذا استهدفت السياسة الاستعمارية بوضوح استئصال اللغة العربية من خلال عملية مزدوجة تتمثل في إقصائها بيداغوجيا والحط من شأنها ثقافيا، فإننا لم نفهم بعد لماذا حاربت الدوائر المتنفذة في موريتانيا العربية كلغة للإدارة والتدريس مع أنها لغة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ومفتاح الأصلين العظيمين الكتاب والسنة .

 كما أن العمل بهذه اللغة هو مجرد إقرار للمادة 6 من الدستور، التي تنص على أن اللغة الرسمية هي العربية ، واللغات الوطنية هي العربية والبولارية والسوننكية والولفية .

وإذا كانت اللغة العربية لم تكن هي اللغة الأم لبعض مكونات شعبنا ، فإن اللغة الفرنسية الوافدة مما وراء البحار، لم تكن لغة محتل حاقد فحسب ، وإنما هي أكثر من ذلك لغة معادية للحضارة الإسلامية وديننا  الحنيف ولغته الخالدة.

وهذا ما أدركته  مكونات شعبنا وعبرت عنه في أحلك محطات التاريخ بما بات يعرف في بلادنا بالمقاومة الثقافية  التي عززت أواصر المودة وقوت النسيج الاجتماعي في عموم التراب الوطني وفندت الحجج المغرضة التي يسوقها البعض في كل سانحة من أجل التشبث باللغة الفرنسية.

إلا أنه من الانصاف أن نسجل هنا أن غياب الحس الوطني والقومي لدى صناع القرار في بلادنا هو بالأساس الذي مكن الفرنسية من الإعتراف بها كلغة للترقية الاجتماعية بدونها يصعب على المرء أن يشق طريقه في السلم الوظيفي حتى الان .

 

وإذا كانت بعض  الحركات الشعوبية قد رأت أن الدفاع عن اللغة العربية هو " اكراه في التعريب " واعتبرت أن هذا الهدف مخيف  ، فإننا نتساءل عن ماهي وسائل الإكراه التي استخدمها أولئك المدافعون عن اللغة العربية ؟ وماهي الآليات التي يمتلكها القوميون والمواطنون البسطاء الذين يطالبون بالتعريب ؟، وهل تمت بالفعل إكراهات حقيقية من أجل تعلم اللغة العربية أوالتعريب ؟ وما هوالخطر الذي يخيف أي مكون وطني ، أويسيء إليه إذا طالبت الأغلبية البالغة 85% من الشعب الموريتاني بترسيم اللغة العربية وجعلها هي لغة الإدارة والعمل بدلا من اللغة الاجنبية التي لا يربط الجميع بها سوى علاقة الغالب بالمغلوب ؟.

 

ومع أننا نفترض أن هذه النصيحة مخلصة وصادقة ، فقد تعين على هؤلاء في هذا المقام أن يقدموا نموذجا أفضل من أجل ترسيم لغة الإسلام والدفاع عنها .