لا شك في أنّنا كمجتمع نحتاجُ إلى شيء من الاعتدال والوسطيّة في الخطاب و الحكم على الأشياء، نحتاجُ إلى الموضوعية و التوازن حتّى لا تبقى الأمور فينا محكومة بثنائية إطلاقية غريبة: إما أن تكون فائقة في الجمال و الكمال، و إما أن تكون غاية في الرّداءة و الابتذال...وكذا الشخص في تصورنا: إمّا أن يكون بطلا و زعيما، و إمّا أنْ يكون خائنا.. لا مقام وسط بينهما! وبهذا المنطق المختل نجدُ أنفسنا دائما في إحدى حالتين: إمّا حالة "تمجيد"، و إمّا حالة "جلد"!؟ و بالتالي، منقسمين ما بين "ممجّد" و "جلاّد"! و هذه مصيبة حقيقية!
مُصيبة تشيرُ إلى ثقافة المبالغة في القول السائدة في مجتمع بدوي يقدس فن الكلام و البلاغة و الأدب على حساب الدقّة و العلم...و لذلك، من الصعب جدا أنْ نسمع خطابا أو جملة في أي مجال من المجالات تخلو من: "مائة بالمائة"، "مائتين بالمائة"، "إلى أقصى حد"، "لأول مرّة"، "غير مسبوق"، "مطلقا"، "نهائيا"، "إلى الأبد"، "النيّر"، "المستنير"، "الفاشل"، "العاجز"، "الطامع"، إلخ...
و في الواقع، ما هذا كله إلاّ مظهر من مظاهر الأزمة الفكرية العميقة التي نتخبّطُ فيها بسبب اعتيادنا كسائر المجتمعات العربية على أسلوبين خاطئين هما: "تضخيم الكلام" من جهة، و "الركون إلى اليقين" من جهة أخرى على حدّ تعبير أحد الكتاب..تضخيم الكلام يكون بالمبالغة و التهويل بهدف الإثارة و شدّ الاهتمام. و أمّا الركون إلى اليقين، فيكون بتقديم تلك الجمل التقريرية الحادّة و الأحكام القطعية الصارمة المعروفة بهدف التأثير و التأكيد على "الجدية" و "الصدق"...
و لكن، يبقى الأكثر إقناعًا و الأفضل من هذا و ذاك...هو نهج الاعتدال و التوازن و الوسطية و احترام عقول الناس و "نسبيّة" الأشياء... و الله ولي التوفيق