في التعديل الوزاري الجزئي الذي أجراه الرئيس الموريتاني محمد عبد العزيز على حكومته في 11 يونيو الجاري، تم تعيين المبعوث الأممي السابق إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد وزيراً للخارجية، وهو تعيين تباينت حوله الآراء والمواقف وتعددت قراءاته وتفسيراته.
ثمة سؤالان أساسيان في هذا الصدد طرحهما المتابعون وهما : ما الذي حدا بالرئيس الموريتاني إلى الاستعانة بهذا الرجل ضمن فريقه الحكومي؟ وما الذي دفع هذا « الأممي » إلى القبول بالمنصب على رأس الدبلوماسية الموريتانية؟
هذان السؤالان لهما أبعاد متعددة وزوايا نظر مختلفة. فبالنظر إلى الشق المتعلق باختيار الرئيس الموريتاني، نجد أنه يؤشر إلى نوع من « تراجع » الدبلوماسية الموريتانية، وحاجتها الماسة الآن أكثر من أي وقت مضى، إلى لاعب بخبرة هذا « الدولي » الذي احترف في « الملاعب » الأممية، وأمسك بخيوط كثير من الملفات المتشابكة والحساسة، في نقاط توتر مختلفة من العالم على مدى أكثر من ثلاثين عاماً، خلال مسيرته موظفاً بالأمم المتحدة.
وإضافة إلى ذلك، ثمة اعتقاد بوجود عوامل أخرى تختلف في أهميتها وغاياتها تبعاً لأهداف متعددة يمكن تقسيمها إلى ما يلي :
*أولاً : أهداف محلية، ونعني بها الاستفادة من خبرة هذا الدبلوماسي الدولي، وعلاقاته الكثيرة وتسخيرها لخدمة موريتانيا ومصالحها الخارجية، وهو أمر على قدر كبير من الأهمية أو هكذا يُفترض أن يكون لما للرجل من خبرة سياسية وعلاقات دولية متعددة، جعلت البعض يلقبه ب« الصندوق الأسود » خلال العشرية الأخيرة، إضافة إلى صورته السياسية الوطنية المقبولة نسبياً، وعدم انخراطه في السياسة المحلية أو حُسبانه على أي طرف منها « ظاهرياً » على الأقل؛ خلال مسيرته المهنية الممتدة لأكثر من ثلاثة عقود تقريباً.
تعيين هذا الدبلوماسي الأممي في هذه الفترة تحديداً، وقبل انعقاد القمة الإفريقية الحادية والثلاثين بأسبوعين، في نواكشوط، له دلالته الرمزية أيضاً، فهو نوع من استقطاب التكنوقراط الذين يُعوّل عليهم في مثل هذه الظروف، فضلاً عن أنه قد يُنبئ ب« براجماتية » سياسية لدى الرئيس الموريتاني نفسه، وهي تعيين ابن الولاية السادسة في منصب سيادي حسّاس، وإيصال رسالة إلى محيطه الجهوي بتقريبه وحظوته في الحكومة الحالية، التي ربما تكون الأخيرة قبل الانتخابات الرئاسية التي ستُجرى في 2019.
هذا الاحتمال الأخير يبقى وارداً إلى حد كبير، خاصة إذا ما علمنا أن التعيينات السياسية في موريتانيا لاسيما في المناصب المهمة تخضع في معظمها لنوع من المحاصصة الضمنية شبه المتعارف عليها.
*ثانياً : أهداف خارجية، ونعني بها تنشيط الدبلوماسية الموريتانية، وإضفاء مزيد من الألق السياسي عليها، للعب دور جديد إقليمياً ودولياً، لاسيما في ظل ظروف إقليمية ودولية مضطربة. فعلى الصعيد الإقليمي ثمة مشاكل عديدة، منها مشكلة الصحراء المغربية.
*أما الشق الثاني المتعلق بقبول المسؤول الأممي لتولي وزارة خارجية موريتانيا، فهو وجيه إلى حدّ ما. فما الذي يدفع موظفاً أممياً إلى التخلي عن منصبه والقبول بوظيفة وزير في حكومة دولة من العالم الثالث. أهي الوطنية المحضة؟، أم في قصة التعيين هذه أشياء لا تبدو للعيان؟
الإجابة لا تتعلق بالامتيازات الوظيفية قطعاً، ولا بالدور السياسي أيضاً، ففي وظائف الأمم المتحدة ما يُغني عن الإقدام على خطوة كهذه. قصة التعيين مرّت فيما يبدو بسلسلة من الأخذ والردِّ بين الرجل ومقربين من الرئيس الموريتاني منذ فترة، حسب متابعين، وشهدت محاولات للنقاش والتفاهم على أكثر من صعيد، وذلك ما قد يفسّر إعلان الرجل قبل فترة عدم رغبته في تجديد ولايته مبعوثاً أممياً إلى اليمن مرة أخرى، والاكتفاء بولايته المنصرمة.
ثم إن أكثر التحليلات منطقية وعقلانية وبساطة، تلك التي تقول : إن الرجل أوشك على التقاعد الوظيفي، وسنحت له فرصة مواتية في بلده فصادفت هوى ما في نفسه، فأرادها مسكاً ختاماً لمسيرة مهنية براقة على مسارح الأمم المتحدة في إفريقيا أوروبا وآسيا.
الخليج