يواجه عدد متزايد من الأطفال الموريتانيين شرقي البلاد أوضاعا غذائية صعبة انعكست على صحة العديد منهم، حيث ينشر بينهم الهزال الشديد، إضافة للإسهال والحمى، في ظل غياب شبه كامل للمراكز وللطواقم الصحية في المناطق التي تجول فيها فريق الأخبار في آدوابه والقرى التابعة لمقاطعة جكني بولاية الحوض الشرقي.
كلمة واحدة كانت تتكرر على لسان أكثر من أمٍّ في آدوابه والقرى التي زارتها الأخبار: "لا مشكلة للأطفال سوى الجوع. إنهم لا يجدون ما يأكلون"، ويشهد للأحاديث الأمهات مظاهر الأطفال، وتأخر نموهم، والنقص الحاد في أوزانهم، وأعراض الإصابة بمرض سوء التغذية البادية عليهم.
ويعرف الأطباء مرض سوء التغذية بأنه الحالة الناتجة عن عدم حصول الجسم على كمية كافية من العناصر الغذائية، بسبب انعدام الغذاء، أو قلته، أو عدم توازنه، إضافة لاضطرابات عملية الهضم، أو الامتصاص في الجهاز الهضمي، ومن أعراضه الوهن، ونقص الوزن، والإغماء، وتأخر النمو، وقد يؤدي لحالات عجز بدني دائم، أو للوفاة.
تعدد القرى وتوحدت الصفة
في قرى وآدوابه الفاظلة، وأهل امامي، وأهل موسى، وشرواطة، وبنت احميديت تُظهر مشاهد الأطفال حجم ما يعانونه من سوء تغذية في ظل موجة الجفاف التي تضرب المنطقة.
إنجيه، عينَّ، حورية، توت، النوه، اماك، اخديج، فاله، جينبا، أسماء أمهات فرقت بينهن القرى والمساكن ووحدهن القلق على صغارهن، وضاعف من حزنهم قصر ذات اليد، وانعدام الوسائل لتخفيف وقع الجوع الذي يفتك بفلذات أكبادهن.
بصعوبة، تخرج حورية بنت اب الأحرف من فيها، وهي تلقب نظرها بين توأميها في قرية الفاظلة غرب جكني، وتشخص واقع أبنائها وغيرهم من أبناء الحي في كلمة واحدة هي "الجوع" مردفة: "لا لبن في ثدي لإرضاعهما، ولا طعام لأكلهما، لقد أسلمهما الجوع للمرض، وزاد من وقع الأمر عليهما مرضي، فمنذ ولادتهما وأنا أعاني من أمراض لا أدري كنهها".
وردا على سؤال حول ما إذا كانت قد عرضتهم على طبيب، ترد حورية: "كيف أعرضهم عليه وأن لا أستطيع مغادرة منزلي بسبب الضعف، ثم إنه ليس لدي أوقية واحدة لأقدمها للمستشفى، أو لأشتري بها الأدوية. لذا لا خيار أمامي سوى البقاء هنا في انتظار ما يحدث".
لا زرع ولا ضرع..
عاملان تضافرا ليوصلا ظروف سكان القرى الموريتانية شرق البلاد إلى حافة المجاعة، هما فشل الموسم الزراعي الخريف الماضي بسبب ندرة مياه الأمطار، أما الثاني فهو هجرة الثروة الحيوانية إلى عمق الأراضي المالية تتبعا للمراعي.
اخديجة بنت ابيب من سكان قرية شرواطة قالت إن السكان الآن يعتمدون في أكلهم على الذرة الصفراء المعروف محليا بـ"مكه"، والتي يشترونها من الأراضي المالية المجاورة، مبدية أسفها للزيادات التي عرفتها أسعار هذه المادة خلال الأسابيع الأخيرة، حيث قارب سعر مُدِّها 500 أوقية.
وترى بنت ابيب أن الذرة الصفراء غير مناسبة لغذاء الأطفال، لكن الخيارات أمام ذويهم جد محدودة، وبالتالي يضطرون لتحضيرها وجبة للأطفال – في شكل حساء - علها تسد رمقهم إلى حين.
وتطالب بنت ابيب كل من يمكن أن يقدم للأطفال ما يساعد في غذائهم، أو يساهم في تخفيف معاناتهم ومعاناة ذويهم أن يقوم بما يمكنه، مشيرة إلى أن السكان كانوا يتوقعون أن تقف الحكومة معهم لمواجهة ما وصفته بالظرف العصيب الذي تمر به المنطقة.
منع للأدوية..
ويتهم الأمهات مصالح الصحة في مقاطعة جكني بمنعهن من الاستفادة من حبوب علاج سوء التغذية، وتحدثت أكثر من أمِّ عن زيارة أو زيارتين وربما ثلاثة للمركز الصحي للحصول على الدواء، غير أن القائمين عليها كانوا يعتذرون في كل مرة بأعذار مختلفة.
وأكدت عينَّ بنت محمد أم أنها زارت المركز الصحي ثلاثة مرات بابنها الذي يعاني من حالة هزال شديد، إضافة لإسهال دائم، وحمى، مردفة أنها قررت في الأخير البقاء في القرية التي تبعد عن جكني عدة كيلومترات، لأن زيارتها للمركز الصحي لم تكن ذات جدوى، وذلك في ظل رفض القائمين عليه منحها الأدوية اللازمة.
فيما تحدثت بعض الأمهات عن منحه لهن مرة أو مرتين قبل قطعه بشكل نهائي رغم بقاء الحاجة الماسة إليه.
أرقام ونداء دولي
وصنفت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "الفاو" موريتانيا ضمن قائمة من 28 بلدا أفريقيا تحتاج لمساعدات غذائية خارجية، وذلك بسبب عوامل عديدة من بينها الجفاف، والأوضاع الأمنية في المحيط.
فيما أعلن برنامج الغذاء العالمي التابع لمنظمة الأمم المتحدة أن 745000 موريتاني يعانون من نقص في الغذاء، من بينهم 130 ألفا يعانون من نقص تغذية حاد و615000 من نقص تغذية متوسط، وتتركز أعلى نسبة نقص في الغذاء في الحوض الشرقي بـ26.8%.
وقال المدير الجهوي لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة عبدو جينغ خلال مؤتمر صحفي عقده في نواكشوط أكتوبر الماضي أن هذه المعطيات كشف عنها مسح أجراه البرنامج في يناير 2017.
وبحسب بيان وزع على هامش المؤتمر الصحفي فإن المعاناة من نقص التغذية تتركز في ولايات جنوب وشرق البلاد أكثر من غيرها.
نقلا عن وكالة الأخبار المستقلة