لقد احتل حزب العدالة و التنمية التركي على الدوام مكانة مرموقة في نقاشنا و حضي باهتمام المتدخلين في الشأن السياسي ،و نال وسام التشريف من لدن الإسلاميين، فكسب بمواقفه تعاطف شباب العالمين العربي و الإسلامي فتعاظم شأن الحزب داخليا و خارجيا، فنصبوه سفيرا للنوايا الحسنة في اعتقادهم، فصار نموذجا يحتذى به. تحتج التيارات الإسلامية بتجربته لتخفيف من وطأة الهالة السوداء التي ترافقهم، و تزكي أطروحاتها في أحقيتها في تدبير الشأن العام، فحاولت جل التنظيمات المحسوبة على التيار الإسلامي كسب ود اردوغان .
رغم ما اقترفه الحزب إبان الربيع الديمقراطي من جرائم على شعبه، إلى ان ترجيح كفة مواطنيه على شعوب المنطقة كانت من ميزة يمتاز بها نظامهم، فهو الراعي الرسمي لمصالح تركيا و شركاتها؛ استطاع بفضل براغماتيته و حنكته ان يرتقي بتركيا إلى صف الدول الكبرى.
لكل الاتراك الحق في الدفاع عن حزبهم كما لهم الحق في التعظيم من شأنه أو حتى تقديسه، لكن هذا لا يمنعنا من قول الحق، ولا يعطي الحق للمدافعين عنه من غير الاتراك بنصرته بمبرر انصر اخاك ظالما او مظلوما، فالكتاب المقدس وعباءة الإمام لا تعطي له الحق أخلاقيا فما بالك إنسانيا؛ ان يوظف مآسي شعوب الشرق الأوسط للوصول إلى مآربه فهذا بمثابة غرور، نعم لتركيا الحق في السعي وراء نعيم شعبها؛ لكن ليس على حساب آهات شعوب المنطقة.
لقد تنكر ارودغان لجميع الروابط التاريخية و الدينية التي تجمعه مع الشرق، و انحرف في رمشة عين الى كفة الدول المتآمرة عليه ، ونسي الرجل ان الشرق هويته، لكن من يتقن لغة المصالح لا مبدأ له يميل كلما مالت مصالحه.
بالفعل كانت لحزب العدالة و التنمية التركي ايجابيات كثيرة، و وصفت مواقفه في عدة مناسبات بالبطولية، لكن شتان بين الأمس و اليوم،فحزب العدالة و التنمية و بعد سلسلة من الأحداث صار بالنسبة لي حزبا للندالة، فمن يعمل بثنائية فم يسبح و يد تذبح.
التطاول على سيادة العراق:
تكرر مشهد التطاول على سيادة العراق من لدن الجيش النظامي التركي منذ احتلال العراق سنة 2003، و حاولت الحكومة التركية تصدير ازاماتها الداخلية نحو العراق في مناسبات متعددة ،عن طريق قصف العمق العراقي تحث ذريعة إن المنفذين للعمليات العسكرية داخل تركيا يعتبرون العراق ملاذا آمنا لهم، كما اجتاحت إقليم بعشيقة دون استشارة الحكومة المركزية تحث مظلة تقديم المساعدة و التدريبات العسكرية لقوات الحشد الوطني، و خلق الحدث نقطة تراشق بين حكومة بغداد و أنقرة ، فوصف ألعبادي حينها تركيا بالقوة المحتلة .
الحصار المضروب على كوبالي:
كوبالي او عين العرب شاهدة على جريمة متكاملة الأركان ، راح ضحيتها مئات القتلى كل هذا يجري على مرمى حجر من حدود تركيا بل تحث أنظارها او بمباركة منها لقوى الإرهاب و التكفير، فمن يغلق في وجه المدنين معبر مرشد بينار. يوحي لنا مباشرة بمظاهر التآمر الذي تعرضت له القومية الكردية ؛و يحيلنا الى المكانة اللاانسانية التي يتمتع بها ملف الأكراد لدى اردوغان.
3-القومية الكردية وتنظيم داعش:
لو تمكنا من صنع معيار لقياس درجة الخطورة بالنسبة للأتراك في ملفات الشرق الأوسط، لوصلنا إلى حقيقة واحدة مفادها ان داعش اخر ما تهتم به حكومة أنقرة، و اردوغان على علم ان فاتورة محاربته باهظة، فتعامل مع ما يقع على مشارف حدوده بنوع من اللامبالاة و الاستهتار ،فالتوازن الحاصل بين الاكراد و داعش في العتاد و السلاح يخدم مصالحها و يزيد من احتمالية إطالة عمر بقاء الحرب، فيكسبها المزيد من الوقت لترميم بيتها الداخلي و البحث عن آليات للحوار مع الأكراد، لكن المعطيات القادمة اليوم من الجبهات الأمامية تصب في صالح قومية الأكراد خصوصا مع تزايد وثيرة الدعم القادمة من الغرب، وهذا ما يثير تخوفات تركيا، فوجه تكل جهودها لمحاربة الأكراد و الحيلولة دون حصولهم على اللوجستيك الكافي لمحاربة داعش
4-ملف اللاجئين السوريين:
تعاملت تركيا على مر السنين مع ملفات الشرق الأوسط بنوع من التعقل و البراغماتية بعيدا عن العاطفة، لم يستثنى ملف اللاجئين السوريين عن هذا المنطق بل حاولت تركيا استثماره لضمان اكبر قدر من مصالحها، فاستخدمت معاناة اللاجئين الفارين من ويلات الحرب كورقة ضغط و ابتزاز ضد أوروبا للإلغاء تأشيرة دخول الاتراك في فضاء الشنغن، فحسب منطق حكومة أنقرة فكلما ارتفعت وثيرة الحرب ازدادت مكاسب تركيا.
5-التطبيع مع إسرائيل:
تعاملت معظم الدول العربية مع القضية الفلسطينية بنوع من الازدواجية في المواقف تعلن في العلن تشبثها بالأقصى و تتصارع في الخفاء لنيل رضا إسرائيل، إن تنكر الدول الإسلامية لمسؤوليتها اتجاه القضية خلف لنا فراغا كبيرا يمكن ان يتقلد مالئه منصب الزعامة في الحين. فطن اردوغان بالفراغ فخدم القضية ل 6 سنوات فنال بتصريحاته الشهرة و ارتفعت اسهم حزبه وكان بمثابة مفخرة للإسلام السياسي، وتناقل وسائل إعلامنا تصريحات اردوغان النارية في منتدى دافوس بوأته شعوبنا مكانة الأبطال الخارقين.
لقد عاشت العلاقات التركية الإسرائيلية في السنوات 6 الاخيرة على واقع التصادم فكانت حينها تركيا مفخرة إسلاميي العالم، وبقي الحال على ما هو عليه الى ان حملت لنا الأيام خبر إسقاط الطائرة الروسية، لتعلن روسيا عدة رزم من الإجراءات التأديبية لإجبار تركيا على الاعتذار، الى ان شموخ وعزة اردوغان ستفقده الكثير من مصداقيته،فتوفير الغاز للأتراك له ثمن غالي سينال لا محال من سمعة حزبه وينقص من قيمة شخصيته.
داس اردوغان على القيم و المبادئ مقابل الغاز فأعلن عودة الدفء و التعاون مع سماهم في السابق بمجرمي الحرب وتبخرت في الحين شعارات دعم المقاومة و رفع الحصار على غزة.
توالت انتصارات عفوا انتكاسات الدبلوماسية التركية فعاد اردوغان إلى نقطة الانطلاق، وانتهى معها زمن العناد التركي وماتت روح الكبرياء في شخصيته، فمن يعرض شروطه للتفاوض هو قادر على التنازل عليها، فبعد التطبيع مع إسرائيل والاعتذار و لروسيا وعودة العلاقات المصرية التركية إلى سابق عهدها، لا يسعنا إلا القول ان حكومة أنقرة على خط إدراك أخطائها، و بالتالي الإجهاز على مشروع تركيا العظمى .