يتعامى الكثير من أصحاب الرأي عن حقيقة غير قابلة للاختفاء أن نظام الأفكار الحاكم للمؤسسة العسكرية الرامي لتحقيق الانضباط والتواصل بين القيادات والجنود غير صالح المرة للتطبيق في الحياة المدنية بل وإنما يؤدي للكثير من المصائب والإخفاقات البالغة، فالفضاء المدني والسياسي والاجتماعي حينما يسيطر عليه العقل العسكري يصاب بمصائب كبيرة، بل العقل العسكري ضار على السلم الأهلي والاجتماعي، فهو عقل صفري أحادي النظرة لا يؤمن بالحلول ، فيلاحظ أن عزيز يتحرك في اتخاذ قراراته بناء على عقله العسكري إذ ينظر للتدافع المدني سياسيا كان أو حقوقيا باعتباره صراعا عسكريا ، مما يتسبب في كوارث قاتلة ومصائب كبيرة تحل بالبلد فعندما يقود العقل العسكري البلد ـ كما يجري اليوم بموريتانيا ـ بدون رقابة مدنية فإنه لا يؤمن بالحلول التفاوضية ولا يؤمن برؤية دع الجميع يربحون في الحوار ، بل نفسيته قائمة على فكرة تكسير الخصم ـ كما جري مع تفتيت الأحزاب السياسية والحركات الحقوقية وغيرها ــ وشل حركته وتدمير قدرته على الحركة وضرب نقاط قوته بقسوة ثم الحوار والتفاوض بعد ذلك ... مطبقا بذلك الفلسفة العسكرية في الفضاء المدني مما يتسبب في مزيد من الأزمات ، فلقد درج عزيز ولا يزال على ضرب نقاط قوة مخالفيه ثم يتحاور ويتفاوض معهم كما هو حاصل مع العديد من الهيئات الحزبية والحقوقية ، حيث ينظر عزيز للتنافس السياسي القائم الآن بالبلد وكأنه صراعا عسكريا يلزم فيه تكسير عظام الخصوم وتركيعهم ثم البدء بالحديث معهم كما جرى مع قوى سياسية وازنة الآن تهرول بكل ما فيها نحو الحوار بعد أن كانت العلاقة بينها وعزيز تعيش ما تعيشه من تأزم .
لكن عزيز يتناسى أن العقلية العسكرية بغياب رؤية مدنية تتسبب في كوارث جمة على المجتمع والبلد ، فالعقل العسكري العزيزي ينظر للتعدد الاجتماعي والسياسي والحقوقي على أنه جبهات قتال يحرص على عدم تواصلها وتناغمها ( نموذج زرع ألغام بين نشطاء الحراطين ولكور ) لان ذلك خطر عليه وعلى سيطرته على زمام الأمور ، وهو ذاته ما تعلمه في الكليات العسكرية فيعمد لفلسفة تقطيع أوصال العدو وعدم السماح له بتوحيد وتجميع قواته ، مما يتسبب في الأزمات ، غائبا عن ذهنه أن الحياة السياسية قائمة على التناقض ، ولا استقرار للمجتمع إلا بالحوار والتواصل وتقديم التنازلات بين الأطراف وعقد التحالفات والصراع عن طريق صناديق الاقتراع ، وكل ذلك لا يتحمله العقل العسكري الذي لا يعرف سوى لغة الحسم وتحقيق الانتصار بالضربة القاضية ، فينظر عزيز كعقل عسكري لمخالفيه نظرة مرتكب جريمة كبرى ففي أدبيات العقل العسكري كل مخالف للقيادة خائن ( نموذج اتهامه للمعارضة في خطاب النعمه) وضد الأمن ومصالح موريتانيا وينبغي محاكمته وسجنه والتضييق عليه ، فعزيز لم يتدرب كعقل العسكري على أن التنوع في الآراء وتعدد الحلول ثراء للمجتمع ، فينظر للجماهير و لوزرائه وأغلبيته ونواب برلمانه الداعمين له على أنهم أفراد في كتيبة ينبغي عليهم تنفيذ الأوامر بدون مناقشة ولا تفكير ولا أخذ ولا رد ، وما لا يعيه هو ومحيطه القريب منه أنه كعقل عسكري غير معد مطلقا للشأن السياسي والمدني ، المجال السياسي قائم على التنازلات المتبادلة وجلسات التفاوض الممتدة وعلى التوازنات المعقدة ، فيما العقل العسكري مبني على إستراتيجية الحسم وتكسير عظام الخصم ولذا تدخله في الميدان السياسي مربك للشأن والقرار السياسي ذاته وللجهاز العسكري نفسه ، العقل العسكري ينتصر في الجبهات القتالية لأنه يتحلى بالحذر والترقب واقتناص الفرص واستغلال الثغرات والتركيز على نقاط ضعف العدو ، والعقل المدني قائم على بناء الثقة وتجسير الفجوات وبناء الجسور وعقد التحالفات واستغلال نقاط القوة ، وعندما ينتقل عمل العقل العسكري من جبهات القتال لفضاء الحياة المدنية يصاب المجهود العسكري والمجتمع بأضرار بالغة على المستوى الاستراتيجي والعسكري بشكل يضعف مناعة الدولة أمام الأعداء الخارجين ، فمن الأهمية بمكان اليوم انطلاقا مما سبق أن يراجع " الجنرلات " سياستهم الداخلية ورؤيتهم الاستراتيجية حول علاقتهم بالسياسة وطبيعة العلاقة المدنية العسكرية ، فالمؤسسة العسكرية لها نظامها الحاكم للأفكار الصالحة لإدارة شؤونها لتحقيق أقصى درجة من الانضباط والتواصل بين القيادات والجنود وقت الالتحام مع الخصوم .
فيما عملية البناء المدني المجتمعي عملية معقدة لا يمكن لفصيل واحد أو مكون واحد القيام بها وحده دون الآخرين ،. قائمة على فلسفة الحوار وانتشار الحريات ومناقشة السياسات ، فيما الاستراتيجيات العسكرية تعتمد على الرؤية الكلية لميدان المعركة ، والسيطرة الكاملة على تحرك القوات وديمومة الاتصال بها وخضوعها للتوجيه والتصويب ، فيما حركة المكونات الاجتماعية والأحزاب السياسية على العكس من ذلك قائمة على الاستقلالية والتدافع والتعارض ، ومحاولة السيطرة على الفضاء المجتمعي وفق الإستراتيجية العسكرية معيق لتقدم المجتمع وكارثي على مستقبل الجيوش ،فكلما أمعن "الجنرالات" في التدخل في الشأن السياسي بشكل مباشر قاد ذلك لمزيد من الانقسام والفرقة والتخبط الاستراتيجي مما يفتح باب الضرر على البلاد والعباد وعلى تماسك الجيش ، ومن مصلحة موريتانيا و"الجنرالات" والجميع أن يتفرغوا لبناء القدرات العسكرية بعيدا عن ضجيج العمل السياسي ، خاصة وأن الجميع ممتعض من سياسة عزيز بما فيها الجيش و قلق نتاج فكره العسكري وأسلوبه للحكم السام على موريتانيا في المدى الطويل ، واستمرار اعتلائه للسلطة يدفع لمزيد من الديكتاتورية لإرضاء مؤسسة "الجنرالات " ، فهو اليوم يملك سلطة غير محدودة، وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من الفساد، وعدم المساءلة، والفشل في القيام بالأساسيات التي تتطلبها الدولة ، واعترف عزيز بذلك أو لم يعترف فهو يواجه أزمة خطيرة وغير قادر على التعامل مع التحديات التي تطفو على مجرى المسرح الوطني بسبب سوء إدارته اللناهج وتخبطهم في ظل التصدعات المتتالية في نظامه .