ضعف المخرجات التعليمية من تخلف المكتبات المعرفية؟

خميس, 03/03/2016 - 23:56
الولي ولد سيدي هيبه

"الكتاب هو الذي إذا نظرت فيه أطال متاعك وشحن طباعك وبسط لسانك وجود بنانك وفخم ألفاظك"

الزائر لمكتبة نواكشوط العامة في مجمع دار الثقافة من المولع بالمكتبات و صروحها و قارئ نهم لما ينشد على رفوفها و في صفحات شاشات حواسبها، لا يلمس غالبا التحامها كما و كيفا و حيوية و سعيا و وسائل بما ورد في تعريف اليونسكو للمكتبات العامّة الصادر في 1994 و الذي جاء فيه أن "المكتبة العامّة تهدف بشكل أساسي إلى إتاحة فرصه الثقافة المستمرة لأفراد المجتمع في بيئة تتمتع بالحرية ودون مقابل. و لذلك تعتبر المكتبة العامّة مركزا للحياة الفكرية والثقافية في المجتمع المحيط والمحليّ من خلال توفير ما هو ملائم من مصادر المعلومات المختلفة من أجل التنمية الثقافية للمواطنين والمساهمة في تطويرهم علميا ومهنيا واستغلال أوقات الفراغ في الأنشطة والمجالات النافعة".

و لا ينسحب حال ذات التعريف المرهف على واقع جل المكتبات الجامعية و في المعاهد العلمية الموجودة في البلاد و منها أساسا نواكشوط التي تعاني من تدن ملحوظ و صارخ في الكم و الكيف عموما و على رفوف الإصدارات الجديدة خصوصا و كأن لسان حالها يقول إن زمن المطالعة و الأخذ من بطون الكتب قد ولى نهائيا، لكن هيهات إن الأمر ليس كذلك بالنسبة لدول العالم و منها التي حولنا في الجوار المحاذي، فمكتبات صرحوها العلمية في كل المعارف زاخرة بالمراجع و كل أصناف المطبوعات العامة و المتخصصة و قد استطاعت سياساتها التعليمية و التربوية و المهنية أن تنجح في الاستقطاب و الانتباه و الشد إلى القراءة و الاهتمام بها حتى انطبعت في الأذهان و تأصلت عادة تضمن رسوخ العلم في العقول و انتقاله إلى ميدان التطبيق.

و في سياق الاهتمام بتطوير و إعادة كتابة برامج التكوين الأولى و تفعيل مكتبتها، نظمت المدرسة الوطنية للإدارة و القضاء و الصحافة بالتعاون مع مشروع "دولة القانون"الممول عن طريق اتفاقية مع مندوبية الاتحاد الأوروبي ورشة تفكيرية حول مراجعة إعادة كتابة برامج تكوين هذه المدرسة العليا للرفع من مستوى أدائها و تطوير برامجها حتى تساير المناهج الحديثة و محتوياتها. و هو السياق الذي قالضمنه السيد  كريستوف كورتين رئيس مشروع "دولة القانون"، إن مكتبة هذه المدرسة متأخرة بمحتوياتها من الكتب و المراجع القديمة ثلاثة عقود عن وتيرة إصدارات النشر العالمي و واقع المعارف التي تدرس فيها و كأن الزمن توقف فيهاعلى تلك الموجودات من المراجع و المطبوعات و الإصدارات المنتمية إلى فترة الثمانينات من القرن الماضي و شاملة في تحجرها علوم القانون و الإدارة و غيرها. حقيقة مرة ظلت مطمورة وراء ضعف السياسات التعليمية و غياب رغبة و عادة المطالعة و المراجعة المكتبية و انحسار الأداء في الموجود و انعدام الهمة و الإرادة إلى اقتناء المفقود.  

و إن إدراك هذه الثغرة على لسان المدير العام للمدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء محمد ولد اعلاده الذي قال إن المدرسة على أبواب تنفيذ خطة تتعلق بتنفيذ برنامج إعادة كتابة مناهج و محتويات برامج التعليم و التكوين لديها، كتابة تستهدف تصحيح ما هو حاصل من نقص بالغ و ضعف شامل للمستوى التعليمي و التكويني و تصحيح تبعات ذلك  من المخرج الناقص؛ إدراك و تدارك و لفتة في محلها جميعها عن توجه إلى الإصلاح بالرغم من تأخره كثيرا إلا أنه من الأهمية بمكان يجعله من أقصى و أهم الحاجات الملحة لتفعيل و رفع مستوى المخرجات التعليمية و التدريبية في هذا الوقت الذي أصبح فيه تسارع وتيرة اقتناء المعارف العصرية ملك التحولات المتلاحقة التي لم تعد تنتظر في حصولها المتأخرين و الزاحفين و الغافلين.

و إذا كان هذا حال مكتبة المدرسة الوطنية للإدارة و القضاء و الصحافة المنوط بها تخريج طواقم تسيير البلد وهداة مدنية و وعي مواطنيه و تنميته من الإداريين و الولاة و الحكام و القضاة  فأين من حالها واقع مكتبات الجامعة و المعاهد العالية الأخرى في ضعف الأداء و ندرة الزوار و الباحثين المجدين؟

و إنه ما لا شك فيه بتاتا أن تأخر البلاد على جميع الأصعدة صارخ بضعف أداء مخرجات تعليمه كله من الابتدائي إلى الجامعي و إنه بات من الملح الذي لا يحتمل الانتظار أن يتم التفكير الجدي في وضع سياسة مكتبية علمية تستجيب بعلمية لضرورة نشر المعارف و إشاعتها من خلال تنويع و توسيع دائرة المكاتب و منها الالكترونية على أوسع نطاق و بأكبر كم من المقتنيات من الإصدار المحلي للباحثين و المؤلفين و العالمي الغزير باختلاف مدارسه و اطروحاته و استخلاصات تطبيقاته و قراءاته التي تصنع التدرج إلى الأوفى و الأحسن حتى يتبين لمنظومة البلد العلمية الخيط الأبيض من الخيط الأسود من فجر معرفي طال انتظار بزوغ أنواره فيتيح انفتاح البلاد على الحداثة و حتى يدخل بقوة و وعي شاملين معترك النهضة الحديثة بكل  أوجه أبعادها فتستفيد من كل تجلياتها و حتى تدلي بدلوها في صياغة العولمة الإيجابية.