في الأسبوع الماضي جهزت سيارتي جيدا وتفقدت عجلاتها وتوجهت إلى السنغال عبر طريق انواكشوط ـ روصو، وقبل أن أصل إلى " الجديدة " وقعت سيارتي في عشرات الحفر العميقة والمطبات والتشققات الأرضية الخطيرة ، وكأنها أفخاخ أو مصائد للمركبات ، مما أدى إلى انفجار إحدى عجلات السيارة ، وبعد تبديل العجلة التالفة ، اضطررت لخفض السرعة حتى وصلت إلى " تكند " ، ومنها اشتريت إطارا مستعملا خارج بلادنا (آرفاج) ، وواصلت المسير، لكن بسرعة أكثر في هذه المرة ، لكي لا تفوتني العبارة ، التي تربط بين ضفتي النهر، مع أنني لست محترفا ، ولاأعرف تجاوز كل الحفرالمنتشرة على طول الطريق أثناء السرعة الزائدة ، لذلك انفجرت العجلة التي اشتريتها قبل أقل من ساعة ، وبعد أن بدلتها انتبهت جيدا للطريق حتى وصلت مدينة روصو ، ووقفت بالسيارة على ضفة النهربانتظار أن أكمل إجراءات عبور السيارة إلى الضفة الأخرى .
وبعد أن عبرت إلى السنغال وجدت طرقا معبدة ، وشوارع نظيفة واسعة وجميلة ، وجسورا معلقة ، وشبكة طرق سريعة ، عليها موازين لقياس حمولة المركبات الضخمة ، فتذكرت الطريق الرابط بين إينشيري وانواكشوط ، وما يتعرض له من تدمير بواسطة العربات الثقيلة ، وشاحنات الخشب القادمة من جمهرية مالي ، والمنتشرة على طريق الامل بدون رقيب ، فصرت أتعجب تارة وأغار تارة أخرى من هذا البلد الذي لا يفصلنا معه سوى نهر صغير ، ولاينتمي للقارة الأوربية ، ولا إلى دول الخليج ، ولا يمتلك موارد هائلة ، بل إن مواردنا أفضل منه بكثير.
وبعد أن أصبحت قريبا من العاصمة دكاراخترت أن أسلك الطريق السريع المزود بحواجز للدفع ، ويصل الضواحي مع داكار في ثلاثين دقيقة ، بعد ذلك علمت أن الحكومة السنغالية تشق طريقا للتراموي الذي يعتبر وسيلة نقل عام فعالة لتجنب التلوث ، وذلك بكونه يساهم في تخفيض التنقل بالسيارات كما هو الحال في جميع المدن الكبرى ، ويعمل بواسطة الكهرباء و هي طاقة متميزة لسببين : فهي أولا لا تخلف أي غازات ملوثة ، و ثانيا تجعل من الترامواي وسيلة نقل بدون ضجيج مما يساهم في الحد من التلوث الضوضائي ، وعلمت كذلك أن هذه السلطات وعدت بزيادة طول السكة الحديدية إلى خمسة آلاف كيلومتر، لربط مناطق الإنتاج التعديني والزراعي بالمنافذ البحرية .
وعندما هممت بالعودة إلى أرض الوطن اقترح علي أحد الإخوة في دكارأن أسلك هذه المرة طريق "ادياما " وفعلا سلكت نفس السبيل ، لأنني أريد أن أتعرف على معبر حدودي آخر من بلادنا ، وكانت هذه الطريق معبدة من جهة السنغال ، ولما وصلت الحدود الموريتانية الملتحمة مع الأراضي السنغالية ، بواسطة جسر صغير، اختفت نهائيا الطريق المعبدة لمسافة 45 كلم ، وحل محلها طريق ترابي ، وقد فاجأني ذلك ، لأن هذه الطريق يفترض أن تدخل ضمن شبكة الطرق المركزية والدولية ، التي تتم العناية بهاعادة من طرف الدول ، مع أنها أقصر بكثير من الطريق المؤدية إلى مدينة روصو .
ومع ذلك تعاملت مع هذا الواقع الجديد ، واضطررت لخفض سرعة السيارة إلى ما يقرب من 20 كيلومترا في الساعة ، نظراً لكثرة الغباروالأتربة والاهتزاز والتأرجح الواضح في كل الأوقات ، بسبب الأخاديد والأفخاخ والمطبات والبرك المائية التي تستوقفني فيها أحيانا الخنازير البرية ، وبعد أن صرت قريبا من كرمسين التي يوجد بها أقرب شارع معبد ، تفرعت أمامي عدة طرق ، فصرت لا أعرف أي طريق سيقودني لهذه المدينة وعند ذلك سلكت سبيلا أوصلني إلى بعض المزارعين ، فدلوني على الطريق الصحيح.
وبعد هذه الرحلة الشاقة اكتشفت أنه لاوجود لما كنت أسميه من قبل طرقا معبدة في موريتانيا إذا ما تمت مقارنتها بشبكة الطرق في الدول المجاورة ، بمافي ذلك دولة مالي ، التي يوجد فيها جسر الشهداء وجسر الملك فهد ، ذلك أن الطرق في بلادنا تفتقر لشروط السلامة والامان ، كما أن ضيق الشوارع التي غالبا لا تمكن من مرور سيارتين في آن واحد يضطر بعض سائقي المركبات للانحراف المفاجئ حال الانتباه لوجود نتوءات أو حفر، ما قد يعرضهم لحوادث الصدم من قبل سيارات الآخرين .
لذلك فإن أغلبية الحوادث المرورية التي تقع في بلادنا تحدث أساسا في الطرق ذات المسار الواحد ، خصوصا أن شوارعنا غير مضاءة في الغالب مما قد يفقد سائقي المركبات للرؤية تماما ، في الوقت الذي تعاني فيه هذه الشوارع من نقص ملحوظ في الإشارات الضوئية وخاصة في المفترقات ، ومعلوم أن هذه الاشارات هي التي تلزم السائقين بتخفيف السرعة او التوقف ، وهذا يقلل بشكل جذري من وقوع حوادث الطرق .
وعلى ذلك فان السبب الرئيسي الذي يؤدي الى الحوادث في بلادنا هو سوء البنية التحتية ـ إن وجدت ـ حيث ان الشوارع مهملة وتكثر فيها الحفر وتنقصها الصيانه الدائمة وتتعرض أحيانا إلى انهيارات وهنالك من سائقي السيارات من لا يلاحظ ذلك ، وقد يعرضه هذا الوضع الى حوادث قاتلة ، كما أن أوضاع تلك الطرق المتردية تؤثر سلبا على حالة السيارات وتعرضها للكثير من الأعطال ، وترتب أعباء مادية إضافية على أصحب السيارات ، وعلى مدى ثبات السيارة من الداخل وتعرضها للخلل.
غيرأن رصف الطرق والشوارع بشكل مدروس يزيد من العمر الافتراضي للسيارات ويجعلها في حالة جيدة ويقلل من تعرضها للأعطال الميكانيكية باستمرار، وفضلا عن ذلك فإن التخطيط الناجح لشبكة الطرق يعتبر أهم وسيلة للوصول لكافة الأهداف ، محليا داخل كل دولة وعالميا مع غيرها من الدول ، لذا بات التركيز على تحسين شبكة الطرق مطلبا هاما ، ومع ذلك فلا تزال بلادنا تعاني من ظاهرة الطرق غير المؤهلة بمافي ذلك : ـ شبكة الطرق المركزية التي تشمل :
أ- الطرق الدولية : وهي الطرق التي تصل بلادنا بالدول المجاورة .
ب- الطرق الرئيسية : وهي الطرق التي تصل بين مراكز الولايات .
ج- طرق التخديم : وهي الطرق التي تخدم الطرق الدولية والرئيسية .
ـ شبكة الطرق المحلية والتي تشمل :
أ- الطرق التي تصل مراكز الولايات بمراكز المدن والمناطق التابعة لها .
ب- الطرق التي تصل مراكز المدن بالنواحي والقرى .
ج ـ الطرق التي تعمل داخل المدن والأحياء .
ومع أن الشوارع تعتبر هي الشراين الرئيسية للدولة ، وتعد العنصر الأهم في النسيج العمراني للأحياء والمدن بشكل عام ، لأنها الوسيلة الأساسية للوصول لكافة المناطق والتنقل بحرية دون معوقات ، فإنها تهدف كذلك إلى ربط مناطق الانتاج بمجالات الاستهلاك ، وتسهل التبادل الإقليمي والقاري .
ورغم أن العناية بالطرق ظلت قائمة من طرف الدول الحديثة بدون انقطاع ، إلا أن التراجع التدريجي لأثر الحدود السياسية ، وانتشار التكتلات الإقليمية الكبرى ، وعولمة الاقتصاد ، قد أدت كلها إلى إنجاز الكثير من التوسيعات لشبكة الطرقات العالمية والإقليمية ، ومن هنا فإن بلادنا المترامية الأطراف ينبغي لها أن تستثمرفي مجال الطرق على قدر مساحتها الكبيرة ، كما أنها أصبحت مدعوة الآن بعد أكثرمن نصف قرن من الاستقلال أن تستعيد دورها التاريخي كحلقة وصل بين شمال إفريقيا وجنوبها.