لقد حذرتُ مِن قبلُ-وفي مناسبات عدة- من محاولة إزعاج النظام السياسيّ القائم عندنا في موريتانيا، من خلال "إزعاج" البلد ( الدولة). ذلك أنّ العمل على مضايقة النظام وإزعاج الموالين له، لا يجوز -بحال من الأحوال-أن يبرِّرَ الإضرار بوحدتنا الوطنية، وخلخلة تماسك جبهتنا الداخلية، وتشويه سمعة بلدنا في الخارج، لأغراض سياسية آنية أو لتصفية حسابات شخصية. مع الإشارة إلى أنّ النظام الذي بيده مقاليد الأمور، يجب أن يتحمّل مشؤوليته كاملة في هذا المجال. فالمسؤولية مشتركة، بل إنّ العبء الأكبر منها يقع على عاتق من يتولى تسيير الشأن العام.
رحِم الله والِدًا أعانَ ولدَه على برّه. ورحِم الله نظامًا أعانَ معارضِيهِ على التفاهم معه.
ولعل هذا الأمر ينطبق تماما على المعارَضات التي أسقطت/ أو تحاول إسقاط بعض الحكام العرب، بصرف النظر عن الأضرار التي قد تترتّب على ذلك بالنسبة إلى البلد، حيث يصل الوضع إلى تدميره بالكامل. وليس ببعيد عنّا ما وصلت إليه الأمور-للأسف الشديد-في بعض الأقطار العربية (ولو كان ذلك بدرجات متفاوتة)، كما حدث في العراق وليبيا...لقد نجحت المعارضة (بالتحالف مع الخارج) في إسقاط صدّام حسين ومعمّر القذافي-رحمهما الله-لكنّ البلدين الشقيقين سقطا (أسقطتهما المعارضة) في مستنقَع الفوضى والحرب الأهلية...والوضع في اليمن وسوريا لا يبشِّر بخير، ومفتوح على كل الاحتمالات...بمعنى أنّ المطلوب من الفرقاء السياسيين (موالاة ومعارضة) أن يسيروا في اتجاه الحوار وحل الخلافات-مهما كان نوعها-بالطرق السلمية، ما دام ذلك ممكنا، وحتى يحافظوا على بقاء الدولة. مع ملاحظة أنّ الخلافات قد تصل إلى درجة من الحدة تجعل الأوضاع تخرج عن السيطرة، وتلغي تماما أيّ فرصة للتفاهم (أي نقطة اللاعودة).
ولا يسعني، في هذا المضمار- إلّا أن ألتمس (مرة أخرى وربما ثانية وثالثة...) من جميع الإخوة في المعارضة (في موريتانيا وفي سائر الأقطار العربية الشقيقة) أن يدخلوا في حوار جادّ يفضي إلى التفاهم حول القضايا الجوهرية، وأن يتذكروا دائما وأبدا أنّ تدمير البلد ليس في مصلحة أحد.
ولا شك أنّ التجارب العربية، المشار إلى بعضها، غير مشجعة.
والعاقل مَن اتّعَظَ بغيره.