يطرح مكب تيفيريت مشكلة حقيقية للحكومة الموريتانية، خاصة بعد أن صدر حكما قضائيا بإغلاقه. لقد أصبح من اللازم إغلاق هذا المكب وإنشاء مكب آخر أو التفكير في حلول إبداعية للتعامل مع القمامة قد تغني عن إنشاء مكب جديد، أو تقلل ـ على الأقل ـ من الضغط على أي مكب جديد يتم إنشاؤه.
كما هو معلوم للجميع فقد أحيل ملف القمامة خلال العقدين الأخيرين إلى عدة جهات (بلديات؛ شركة أجنبية؛ رجال أعمال؛ حملات حكومية وتدخلات موسمية للجيش)، ولكن في المحصلة النهائية فإن كل هذه المحاولات لم تأت بنتيجة تذكر.
تمثلت المحطة الأخيرة في هذا الملف إلى إحالته لشركة تدعى "الشركة الموريتانية لمعالجة النفايات"، ومن يسمع بتسمية هذه الشركة سيعتقد للوهلة الأولى أنها تمارس الحد الأدنى من معالجة النفايات، والحقيقة أنها لا تمارس أي نوع من أنواع معالجة النفايات، وإنما تكتفي فقط بجمع القمامة ونقلها بطرق بدائية، ثم رميها من بعد ذلك بطرق أكثر بدائية في مكب تيفيريت الشيء الذي زاد من معاناة أهلنا في تيفيريت وفي القرى المجاورة.
أذكر أني كتبتُ منذ عقد ونصف عن قمامة العاصمة، ومن قبل أن يتم التعاقد مع شركة "بيزورنو"، وقد دعوتُ حينها ـ ومن خلال رسالة مفتوحة موجهة إلى الرئيس ـ إلى إنشاء شركة لشراء القمامة من المواطنين، ففي اعتقادي أنه لما تتحول القمامة إلى سلعة تباع وتشترى فإنها ستختفي من شوارع العاصمة كما اختفت الخردة، وكما اختفت مواد البلاستيك الصلبة.
إن العمل بمقترح من هذا القبيل سيساعد في:
1ـ تغيير سلوك وعقلية المواطن الموريتاني، وهذا شرطٌ ضروري لضمان نظافة العاصمة، فمن شأن هذا المقترح أن يدفع المواطن إلى جمع القمامة من الشارع بدلا مما كان متعودا عليه أي رميها في الشارع؛
2ـ النظر إلى القمامة باعتبارها "ثروة وطنية" يمكن أن تتحول إلى مصدر للدخل بدلا من النظر إليها باعتبارها تحديا ومشكلة لا يمكن حلها؛
3ـ تحويل القمامة إلى مورد اقتصادي لا يستفيد منه إلا الفئات الأكثر فقرا، على عكس مما هو قائم الآن، حيث تعود الاستفادة الكبرى لرجال الأعمال الذين تم التعاقد معهم لتنظيف العاصمة؛
4 ـ العمل على حل مشكلة من خلال التخفيف من مشكلة أخرى، فأهمية هذا المقترح تكمن في كونه سيحل مشكلة القمامة من خلال المساهمة في حل مشاكل أخرى ذات صلة بالفقر والبطالة في الأوساط الأكثر فقرا.
تحصل الشركة الموريتانية لمعالجة القمامة على 12.50 أوقية قديمة عن كل كيلو قمامة تجمعه وتنقله إلى مكب تيفيريت، وتتهم هذه الشركة بزيادة الوزن في بعض الأحيان من خلال إضافة مواد أخرى، فلماذا لا يمنح هذا المبلغ لشراء القمامة من عند الفقراء، ليتولوا هم جمعها وفرزها ونقلها إلى الأماكن المخصصة لها؟
بل لماذا لا يضاعف هذا المبلغ في حالة تولى المواطنون الفقراء جمع القمامة وفرزها ونقلها، ويمكن اعتبار هذه الزيادة تدخل في إطار الإنفاق الاجتماعي الذي تقوم به الدولة لصالح الفئات الهشة والمواطنين الأكثر فقرا.
إن إنفاق مبالغ مالية أو توزيع سلات غذائية على المواطنين الأكثر فقرا دون تقديم أي جهد هو أمرٌ مهم وضروري لاشك في ذلك، وتتأكد أهميته عند تفشي الأوبئة التي تؤثر سلبا على الأنشطة الاقتصادية والتجارية كما هو حاصل الآن، ولكن ذلك لا يعني عدم وجود سلبيات لهذا النوع من الإنفاق، خاصة في مجتمع كمجتمعنا تسود فيه الاتكالية وتتجذر فيه ثقافة "لِسْعافات". من المهم جدا أن يكون هناك جهد يبذل مقابل تلك المبالغ التي توزع، ويمكن أن يكون جمع وفرز ونقل القمامة هو الوجه الأنسب للإنفاق، ذلك أن فقراء هذه البلاد لن يجدوا في جمع القمامة منافسة قوية من الأغنياء والميسورين الذين تعودوا على منافستهم، كلما كانت هناك عمليات توزيع ومنح تقوم بها الدولة لصالح الفقراء.
الآن لنعد إلى السؤال الذي اخترناه عنوانا لهذا المقال: لماذا لا نفكر في تدوير النفايات؟
إن مما يشجع على التفكير في تدوير النفايات:
1 ـ أن هناك اهتماما عالميا بتدوير النفايات، وذلك لانعكاساته الإيجابية على التنمية المستدامة، ولن يكون من الصعب الحصول على تمويلات وقروض من المؤسسات والشركاء الدوليين لمشاريع من هذا القبيل يمكن تصنيفها في دائرة "الاقتصاد الأخضر"؛
2 ـ هناك مستثمرون أجانب يمكن أن يستثمروا بالشراكة مع الحكومة الموريتانية أو مع بعض رجال الأعمال الوطنيين في مجال تدوير النفايات؛
3 ـ لا توجد دراسات عن تركيبة القمامة في موريتانيا، ولكن باعتبار أن بلدنا من البلدان الفقيرة، فإن تركيبة القمامة فيه ستكون على النحو التالي:50 إلى 60 % مواد عضوية، وهذه يمكن أن تُحَول إلى سماد؛ 15 إلى 20 % بلاستيك ؛ 15% أقمشة ـ أخشاب ـ ورق ـ كرتون...إلخ؛ 10 % مخلفات معادن. كل هذه المواد قابلة للتدوير، وبتدويرها أو بتدوير كميات معتبرة منها فإن ذلك سيقلل من حجم القمامة التي لابد من طمرها.
خلاصة القول
إن شراء القمامة من المواطنين سيشكل مصدر دخل للمواطنين الأكثر فقرا والأكثر استعدادا للعمل، وهو وجه من أوجه الإنفاق الاجتماعي للدولة، ومن هنا تبرز أهميته، خاصة وأنه سيساعد في تنظيف عاصمة عانت في الماضي وما تزال تعاني من انتشار القمامة. كما أن التفكير في إقامة مصانع لمعالجة وتدوير القمامة هو كذلك أمرٌ قد أصبح من الضروري جدا التفكير فيه.
حفظ الله موريتانيا ..