مشهد موريتانيا السياسي هذه الأيام مربك للعقول وللنفوس لكنه مقبول لدى الجميع وكأننا في مجتمع فاقد للذاكرة بصفة جماعية،
مرشح المعارضة الأبرز حتى الأن هو المحترم سيد محمد ولد بوبكر الذي كان سفير عزيز وأحد أقوى رجالات نظام ولد الطايع والذي اتصلت حكومته (وليس هو طبعا) بإسرائيل وبدأ التنسيق في عهده مع الكيان الإسرائيلي، هذا التنسيق الذي استكمل مساره في آخر أيام الرجل كوزير أول ليواصل خلفه بقية الترتيبات.
سيد محمد تلقى دعمه الأول لترشحه هذه الأيام من حزب تواصل ذي المرجعية الإسلامية ومن حزب حاتم الذي يرأسه الضابط القومي صالح ولد حننة صاحب التاريخ المشرق وقائد الانقلاب الذي هز نظام ولد الطايع حين كان ولد بوبكر وزيرا قريب المكتب من مكتب المخلوع..
المصاب بالزهايمر وحده يقبل الزيجتين. زيجة الرجل من تواصل الذي عرف الأذى والسجون والتشريد خلال حكم ولد الطايع، وزيجة حاتم ورئيسه صالح بأحد أهم رجال ولد الطايع.
لفيف من الصحافيين يدافعون بحماس عن المرشح (المحترم طبعا) لكنهم يبالغون أو لنقل يكذبون حين يقولون إن الاعتقالات ومصادرة الحريات والجرائد وتشريد الكتاب وتمييع الحقل أمور لم نعرفها خلال رئاسة الرجل للحكومة وللحزب الحاكم،. هذا كذب وبهتان فالرجل قد يكون عارض ولد الطايع سرا واختلف معه وسبه (حسب مقالاتكم اليوم) لكنه كان واجهته وسيد وزرائه والآمر الناهي ولو نظريا.
متلازمة استوكهولم وحدها تجعل تواصل وحاتم والكتاب وصحافة التسعينات يتعلقون بالوزير الذي يتبع له وزير الداخلية والمادة 11 وإدارة الأمن والسجانين..
الحزب الذي طغى وتجبر وظلم وهمش الناس وضايقهم في أرزاقهم وبعث القبلية والطبقية وجند الرجل ضد أخيه وأذكى فتيل نزاعات ما زالت مؤثرة إلى اليوم من كان أشهر رئيس له؟!
هل أصيب الاسلاميون الشرفاء وصالح البطل بالزهايمر أم أن الرجل كان فعلا مستخدما مسلوب الإرادة ولا علاقة له بأي أمر؟ إن كان كذلك فلماذا يريدونه رئيسا للبلاد؟!
في تجليات حالة الزهايمر أيضا أن ولد الغزواني رجل لطيف قدم من ميدان الحرب ولم يقد انقلابا وظل يعارض سياسة عزيز التي يعتبرها المعارضون سياسة إفساد.
ولد الغزواني عند الزهايمريين الجدد رجل مختلف وحمل وديع مع البسطاء، ورجل جلد قوي أمام أعداء الأمة وعلى جبهات القتال،
الغريب أنهم يتذكرون أو يبتكرون أشياء للرجل وينسون أخرى. التحقوا به وساندوه ودعموه لأنه "سيصلح ما أفسده عزيز"!
أين كان غزواني حين كان عزيز "يفسد"؟!
كان يبني الجيش "الجمهوري" عاصب البطن ويقاتل السلفيين ويطارد المهربين ولا يملك إلا رصاصات وطلقات تنتظر أعداء موريتانيا.. إنه الزهايمر ورب الكعبة، الرجل - أيها المرضى - كان مع صديقه منذ ما قبل مكناس، انقلب معه على معاوية وعلى سيدي وانقلبا علينا بعد ذلك في الجزء الأول من المسلسل، جزء "الذهب والطرق المعبدة واحتضار المعارضة" ولا نعرف كيف سيكون الجزء الثاني.
المهم أن ترفق بالقوارير كما كنت دائما - سيدنا الغزواني -، فكلنا قوارير يا رئيس الجزء الثاني من المسلسل البائس "جزء الغاز والحكم بلا معارضة".
المحترمة منت خطري التي عين أخوها يوما بعد جلبها لولد الوقف إلى مكتب غزواني ويوما بعد انضمامها لا بد أنها أصيبت بنوبة زهايمر قوية، فالمرأة التي سحلت في الشوارع وناضلت من أجل الديمقراطية وتجرعت كأس الاذلال في عهد عزيز وصبرت على الأذى جاءت حبوا إلى "الرجل الجديد كليا" وكأنها لا تعرف أنه رجل عزيز وصناعة عزيز وكذا وكذا.. الأكيد أن تعيين أخيها جاء بالصدفة، رغم أن الاشتراكيين يقولون إن الصدفة كلمة عامية نغطي بها جهلنا للأسباب، وعلى ذكر الاشتراكيين يعاني قوى التقدم من حالة ازهايمر بدأت أصلا بحرق المحترم ولد اخليل للمراحل النضالية، وآخر تجلياتها ما يعيشه الحزب المعروف تاريخيا بانسجام مناضليه وترفعهم.
الآن يتراشقون وكأن كل واحد منهم نسي صاحبه وماضيه ونضاله واستبساله…الأفظع من كل هذا أننا قد نشاهد انبطاحا غير مسبوق في قادة اليسار..لا أتمنى ذلك. الغريب أن حالة ازهايمر هذه لا تكون حين يتحدث أحدهم عن المحترم بيرام فالرجل "أحرق الكتب وكفى".
في اللحظات التي ستنتعش فيها ذاكرة مريض الزهايمر، سيغضب الإسلاميون وصالح حين يكتشفون أن مرشحهم يعلق صورة جدارية لمعاوية الذي خدمه وآمن به حين كذبه الإسلاميون ودكته بنادق صالح وأصحابه. وسيكتشف اليسار أن الوحدة كانت أفضل والأكيد سيكتشف بعض الأغبياء من ناشدي الإصلاح عند غزواني أنهم واهمون.
قلت "بعضهم" لأن الكثيرين منهم التحقوا به وقالوا إنه مصلح وهم يدركون بأنه لا يختلف عن سلفه الذي عارضوه، لكنهم تعبوا ومراجلهم تغلي بالماء منذ أمد والصبية يبكون وكذبة الأم ستنكشف ولا عمر بن الخطاب يلوح في الأفق موكبه، والصبح يوشك أن يتنفس.
محمد الأمين محمودي