في لحظة سياسية فارقة قررت المنظمة الشبابية لحزب تكتل القوى الديمقراطية أن تُطلق صالونا حواريا نصف شهري، واختار القائمون على الصالون أن تكون حلقته الأولى التي تم تنظيمها مساء السبت الموافق 8 ديسمبر 2018 تحت عنوان " ما بعد 2019...موريتانيا إلى أين؟" .
سؤال كبير وهام طرحته الحلقة الأولى من الصالون، والإجابة على هذا السؤال تتطلب منا أن نتفق أولا على أن ملامح موريتانيا فيما بعد 2019 ستتحدد طبقا لما سيجري في الانتخابات الرئاسية التي من المفترض أن تنظم في منتصف العام 2019، وما ستفرزه تلك الانتخابات من نتائج.
إن محاولة الإجابة على هذا السؤال الكبير ستضعنا أمام ثلاثة سيناريوهات محتملة، وهي السيناريوهات التي حاولتُ أن أفصل فيها خلال مداخلتي في الحلقة.
السيناريو الأول : وهو السيناريو الأسوأ، ويتمثل هذا السيناريو في تنظيم انتخابات لا تتوفر على الحد الأدنى من المصداقية والشفافية، وتؤدي إلى فوز المرشح الذي سيتقدم به النظام الحاكم.
السيناريو الثاني : ويمكن وصفه بالسيناريو المفتوح، فهو سيناريو مفتوح على احتمالين متناقضين، أحدهما سيىء والثاني جيد. ويتمثل السيناريو الثاني في أن يتم تنظيم انتخابات رئاسية تتمتع بحد أدنى من المصداقية والشفافية، وتؤدي في الوقت نفسه إلى فوز مرشح النظام الحاكم.
إن هذا السيناريو سيكون مفتوحا على احتمالين:
1 ـ الاحتمال السيىء : أن يقبل مرشح النظام الفائز في انتخابات رئاسية بحد أدنى من المصداقية والشفافية أن يكون امتدادا لنظام ولد عبد العزيز، وأن يتحمل تركة ذلك النظام، وأن يخضع في الوقت ذاته إلى نوع من الوصاية يمارسه عليه ولد عبد العزيز، أي أن يقبل الرئيس القادم بما قبل به الرئيس السابق سيدي ولد الشيخ عبد الله، الذي كان قد فاز في انتخابات تتمتع بالحد الأدنى من المصداقية والشفافية، ولكنه ظل يقبل بوصاية ولد عبد العزيز الذي لعب دورا أساسيا في فوزه، وظل يقبل بتلك الوصاية، ولم يحاول أن يتحرر منها إلا في الوقت بدل الضائع.
من قبل الانتقال إلى الاحتمال الثاني، فإنه لابد من القول بأن السيناريو الأول، والاحتمال الأول من السيناريو الثاني سيزيدان من تعقيد الأزمة السياسية في بلادنا، وسيؤديان في النهاية إلى حلول غير دستورية كانقلاب عسكري أو دستوري يستعيد به ولد عبد العزيز الرئاسة، أو انقلاب عسكري مضاد أو تحرك جماهيري يقضي أحدهما في نهاية المطاف على ما تبقى لدى ولد عبد العزيز من وصاية، وعلى ما لدى خليفته أو ممثله في الرئاسة من سلطات.
2 ـ الاحتمال الجيد : يمكن للسيناريو الثاني المتمثل في فوز مرشح النظام في انتخابات رئاسية بحد أدنى من المصداقية والشفافية، أن يؤدي في الاحتمال الثاني إلى انفراج للأزمة السياسية، وإلى دخول موريتانيا في مسار ديمقراطي حقيقي وجدي، ولكن تحقق هذا الاحتمال يستوجب توفر شرطين أساسيين هما:
الشرط الأول : أن يمتلك مرشح النظام الفائز إرادة قوية للخروج من وصاية ولد عبد العزيز والتحرر من قبضته، وأن يعبر عن تلك الإرادة في قرارات وخطوات ملموسة، وأن لا ينتظر لذلك الدخول في الوقت بدل الضائع كما فعل من قبله الرئيس السابق سيدي ولد الشيخ عبد الله.
الشرط الثاني : أن تمد المعارضة وفي وقت مبكر يد العون لمرشح النظام الفائز، وأن تساعده في التحرر من قبضة ولد عبد العزيز، والخروج بالتالي من جلبابه. يمكن للمعارضة في هذه الحالة أن تفعل ـ وفي وقت مبكر ـ ما حاول اتحاد قوى التقدم وتواصل أن يفعلاه في وقت متأخر مع الرئيس السابق سيدي ولد الشيخ عبد الله.
السيناريو الثالث: وهذا هو السيناريو الأفضل، ويتمثل في حصول تناوب حقيقي على السلطة، أي أن يفوز مرشح المعارضة، وذلك بدلا من السيناريوهين السابقتين واللذين سيؤديان إلى مجرد تداول سلمي على السلطة داخل فسطاط النظام الحاكم.
إن تحقق هذا السيناريو ليس بالمستحيل، وهناك بشارات تم التقاطها من انتخابات سبتمبر، والتي على الرغم من أنها كانت في المجمل سيئة النتائج، إلا أنها مع ذلك حملت ثلاث بشارات إيجابية يمكن أن تمنح ـ لو تم استثمارها بشكل جيد ـ أملا في إمكانية فوز مرشح المعارضة في الانتخابات الرئاسية القادمة، ويمكن إجمال هذه البشارات في النقاط التالية:
1ـ إذا ما استبعدنا المنافسات والصراعات السياسية ذات الطابع المحلي، فسنجد بأن المعارضة قد حققت انتصارات هامة، ففي لائحة نيابيات نواكشوط، فإنه قد تمكن حزب معارض من الحصول على عدد من الأصوات زاد على مجموع الأصوات التي حصل عليها الحزب الحاكم. وفي اللائحة الوطنية المختلطة، فإن أحزاب المعارضة قد حصلت مجتمعة على أصوات تزيد على ما حصل عليه الحزب الحاكم منفردا.
2ـ لقد أعيد الشوط الثاني في أغلب الدوائر الانتخابية، ولقد فازت لوائح الحزب الحاكم بفوارق بسيطة جدا في العديد من الدوائر مما يعني أن المنافسة كانت شرسة جدا رغم التزوير ورغم تأخر تحضير المعارضة لتلك الانتخابات.
3ـ فوز المعارضة في ثلاث أشواط متتالية في بلدية عرفات. إن المعارضة التي تمكنت من الفوز على الدولة في بلدية عرفت، وأقول الدولة لأن الحزب الحاكم قد أقحم الدولة وبشكل فج في المنافسة في بلدية عرفات، فجاء بالوزراء والجنرالات وبالموظفين وبأموال الخزينة العامة إلى عرفات ..لم تترك الدولة شيئا يمكن أن تفعله لانتزاع الفوز إلا وفعلته في بلدية عرفات، ومع ذلك هزمت. إن ما حصل في بلدية عرفات خلال الانتخابات الماضية يمكن أن يحصل على عموم التراب الوطني خلال الانتخابات الرئاسية القادمة.
إن المعارضة يمكنها أن تحقق فوزا في الانتخابات الرئاسية القادمة، إذا ما تعلمت من أخطاء الماضي، وإذا ما أخذت الدروس والعبر من انتخابات سبتمبر الماضية. وأخذ الدروس من تلك الانتخابات يعني التحضير المبكر للانتخابات الرئاسية القادمة، ويعني أيضا إعداد الخطط والاستعداد الجيد لحماية الأصوات ولفرض الشفافية في الانتخابات الرئاسية القادمة، مع الدخول في تلك الانتخابات بمرشح توافقي قادر على يخلق منافسة جدية مع مرشح النظام.
في المقال القادم سأحاول ـ إن شاء الله ـ أن أقدم صورة تخيلية أو تقريبية للمرشح التوافقي الذي أعتقد بأنه سيكون قادرا على أن ينافس ـ وبشكل جدي ـ مرشح النظام في الانتخابات الرئاسية القادمة.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل