بدو أن هناك ضرورة لتقديم قراءة ثانية، أو على الأقل، لتصحيح فقرة جاءت في قراءتي الأولى لتشكيلة الحكومة الجديدة، وقد جاء في تلك الفقرة ـ المراد تصحيحها ـ بأن تعيين السيد سيدي محمد ولد محم وزيرا ناطقا باسم الحكومة كان هو التعيين الوحيد الذي جاء بالإنسان المناسب في المكان المناسب، وأشرتُ في تلك القراءة إلى أن المناسب تعني الحكومة، أما الشعب فمن المعروف بأنه ليس معنيا بهذه التعديلات في الحكومة، وبأن من يجري تلك التعديلات لم يعرف كثيرا بأنه مهتم أصلا بما يناسب الشعب.
كتبتُ تلك الفقرة من المقال السابق دون أن يفوتني أن الناطق الرسمي الجديد باسم الحكومة، كان قد وقع في أكثر من مرة في هفوات خطيرة وفي زلات لسان أثارت جدلا كبيرا، فهو الذي وصف الرئيس ولد عبد العزيز ذات مهرجان بأنه : "هو اللِّي أطمع من جوع وآمن من خوف".
لم يكن خافيا عليَّ بأن الناطق الرسمي الجديد باسم الحكومة قد يقع من جديد في زلة لسان، ولكني لم أكن أتوقع بأن زلة اللسان ستأتي بهذه السرعة.
لقد كتب الناطق الرسمي باسم الحكومة تغريدة على حسابه على تويتر، هذا نصها: "القرار الأمريكي بمنع بلادنا من مزايا AGOA تافه وفارغ، فنحن الحكومة التي حاربت العبودية وبجهودها الذاتية دون أدنى دعم أمريكي. ثم متى كانت الإدارة الأمريكية مهتمة بمحاربة العبودية حتى داخل أمريكا ذاتها؟ وهل كان ترامب سيتخذ هذا القرار لو كان ينتظر منا صفقة سلاح ب 110 مليار دولار؟".
هذا هو ما كتبه السيد سيدي محمد ولد محم على حسابه الخاص على توتير، والذي لم يعد حسابا خاصا به منذ أن تم تعيينه ناطقا رسميا باسم الحكومة. لقد أصبح هذه الحساب حساب الناطق الرسمي باسم الحكومة الموريتانية، ولذلك فكل ما ينشر فيه من تعليقات على الأحداث وعلى تصريحات الرؤساء سيعتبر موقفا رسميا لحكومة الجمهورية الإسلامية الموريتانية من تلك الأحداث والتصريحات.
لقد وردت في تغريدة الناطق باسم الحكومة أربعة أخطاء فادحة :
1 ـ تم استخدام كلمات قد يليق بشخص عادي أن يصف بها قرارا اتخذته دولة أجنبية، ولكن لا يليق بناطق رسمي باسم الحكومة أن يصف بها ذلك القرار حتى ولو كان قرارا خاطئا وفي غاية السوء، والكلمات المقصودة هي : تافه وفارغ.
2 ـ لقد جاء في هذه التغريدة نقد مبطن للنظام الحاكم في السعودية والذي كان قد عقد صفقة بقيمة 110 مليار دولار لشراء أسلحة من أمريكا ، فمن مضمون التغريدة فإنه يمكن القول بأن الناطق الرسمي باسم الحكومة الموريتانية يرى بأن تلك الصفقة هي التي منعت ترامب من أن يتخذ موقفا حاسما ضد النظام السعودي والذي تتهم جهات عليا فيه بإعطاء الأوامر بقتل جمال خاشقجي. إن تلك الإيحاءات التي تُفهم من مضمون التغريدة، تتناقض تماما مع موقف الحكومة الموريتانية من قرارات النظام الحاكم في السعودية، وهو الموقف الذي عبرت عنه الحكومة الموريتانية من خلال إصدار وزارة خارجيتها لعدد لافت من البيانات الداعمة لموقف النظام السعودي من قضايا عديدة كحصار قطر، والأزمة مع كندا، و مقتل جمال خاشقجي.
3 ـ السرعة التي كُتبت بها هذه التغريدة توحي بأنها قد كُتبت من قبل أن تناقش الحكومة الموريتانية طبيعة الرد المناسب على قرار ترامب، ولذا فلم يكن من الصائب المسارعة في نشر هذه التغريدة التي سينظر إليها على أنها تعبر عن رد الحكومة الموريتانية على القرار الأمريكي، والراجح أن الحكومة الموريتانية لم تتدارس حتى الآن القرار الأمريكي ولم تحدد طبيعة الرد المناسب عليه.
4 ـ من المحتمل جدا أن يتم استغلال هذه التغريدة من طرف قناة الجزيرة وسيشكل ذلك حرجا كبيرا للحكومة الموريتانية التي تبالغ في التودد للنظام السعودي. فمن المعلوم بأن قناة الجزيرة تبحث في كل يوم تطلع شمسه، وفي مشارق الأرض ومغاربها، عن أي انتقاد يوجه ضد النظام السعودي، حتى تعطيه مساحة مناسبة في نشراتها وبرامجها، وللجزيرة نشرة خاصة بما يكتب على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يعني بأن تغريدة الناطق الرسمي باسم الحكومة ستتلقى حفاوة كبيرة من محرري تلك النشرة.
يبقى أن أقول ختاماً بأني أتفق تماما مع بعض مضامين هذه التغريدة ومن الراجح بأن الكثير من الموريتانيين يتفق معي في بعض مضامينها، ولكن المشكلة هي أن الشعب والحكومة الموريتانية على طرفي نقيض في الكثير من المواقف..فما يرضي الشعب في هذه التغريدة قد يغضب الرئيس المؤسس، ومن المعلوم بداهة أن ما يشغل بال السيد سيدي محمد ولد محم هو إرضاء الرئيس المؤسس، لا إرضاء الشعب الموريتاني.
حفظ الله موريتانيا..