ما لي وما للانتخابات والصريخ والضجيج والنفقات؟!!
أنا حيلة فتقتني الحاجة لشخص مارس أعمالا متباينة وطرق أبوابا شتى دون جدوى، فنقلته بسهولة من عالم النكرات إلى عالم الأعلام والأعمال وميادين المال والآمال.
أنا رخصة مكتوبة ومختومة صدرت عن وزارة الداخلية لأسباب هي أدرى مني بها، فتلقاني صاحبي بيمنها وأخفاني عن يسراه وظل يعاملني معاملة الكنز الثمين.من ثم نمت بهدوء ربع قرن من الزمن، لم أبصر الضوء إلا نادرا ولم أسمع من الأصوات إلا خشخشة جاراتي من أوراق صاحبي، ولم يلمسني من الناخبين غيره منذ تسليمي إليه.
لقد نال بي شعورا بأنه أهم من قادة الأحزاب الميدانية؛ فكنت تأشيرته إلى الحفلات الرسمية والاجتماعية، وإلى توظيف الأصدقاء والأقارب والمعارف. وسجادته الحمراء إلى مكاتب كبار المسؤولين والسيارات الفارهة والأرصدة المكدسة وقسائم الوقود والقطع الأرضية التي لم يطأها سلفه، ويسيل لها لعاب غيره.. ومن لم يستطع طولا من المسؤولين (أو تورع عن المال العام) فلا أقل من تعويض عشرات من ساعات العمل الإضافية يحيله إليه مع رواتب موظفي قطاعه أو مؤسسته من أصدقائه وأقاربه.. إنها العبقرية!
عشت هكذا حزبا دون تحزب، ناعم البال رخِيَّ الحياة، حتى استهدف السلطان قوما أرادوا اعتزال اللعبة التي طالما خبروها فكنت كما قال الأول:
لم أكن من جُناتها علم اللـ**ـه وإني لحرها اليوم صال!
أيقنت أنها النهاية؛ شاركت أم لا، لكن غريزة التمسك بالحياة اقتضت إطالة عمري بأسبوعين علمت فيهما بعض ما يعلمه الناس عن الأحزاب وعانيت الصداع جراء الأصوات والأضواء التي لا تجربة لي بها، ولا عجب، فقد ذهبت إلى غير مجالي.
بعد غد أصبح وأشباهي جزءا مجهولا من التاريخ؛ فلا أمل لي في نيل الحد الأدنى للبقاء، إذ لا يعرفني أحد ولا أعرفه، واهتمام صاحبي كان معلقا بالقمم لا القواعد، ومن المستبعد أن أرى غير نجوم الظهيرة أو أسمع غير مساءتي أو أجد من يرمني بغير آلة قتل أو في سلة المهملات.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إن حزنا في ساعة المو ** ت أضعاف سرور في ساعة الميلاد.