من البديهي أن ما يحدث داخل حزب الإتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، منذ أن أعلن عن قوائم مرشحيه في استحقاقات ديسمبر المقبل، ليس وليد صدفة ومن غير المنطقي أن تكون تلك الاختيارات جاءت بشكل اعتباطي اللهم إن كان الرئيس نفسه هو من أراد ذلك و عن وعي بكل تأكيد.
لم يوفق الحزب الحاكم في أغلب اختياراته، بل كان بعضها مستفزاً في نظر الكثيرين، ذلك أنه من غير المستساغ أن يدخل حزب قائمٌ في الأصل على المحاصصة والتوازنات ويمتلك وسائل الترغيب قبل الترهيب، بالتّخلي عن خزانات انتخابية في استحقاقات ربما هي الأكبر والأكثر تعقيداً في تاريخ البلد.
فحتى داخل المُدن لم يراعي الحزب في اختياراته ما يمثل النخب الأكثر وعياً من أطر وشخصيات تمتلك رصيدا علمياً يمنحها القَبول رغم معرفة الحزب المسبقة بحجم المنافسة مع العودة القوية للمعارضة التقليدية واستراتيجية التحالفات التي ابرمتها الأخيرة فيما بينها.. تخلى الحزب الحاكم -هذه المرة - عن دوره الأخلاقي في دعم مرشحيه مادياً، وكان رئيسه صريحًا منذ البداية بأن أكد للمرشحين أن عليهم تحمل كل تكاليف حملاتهم الانتخابية أو البحث عن من يساعدهم على ذلك، وسيكون بالطبع من خارج المحيط الاجتماعي لكل مرشح لأن الحزب ضرب عرض الحائط بجميع التوازنات القبلية وحتى المناطقية، وعليه فإن هزيمته باتت مسألة وقت، بحسب مراقبين.. "لا تمويل .. لا تحالفات .. ولا شخصيات وازنة في الواجهة.." كلنا يعلم أن الحزب لا يختار مرشحيه عن طريق لجان مختصة والشخص الوحيد المخوّل للموافقة على المقترحات هو رئيس الجمهورية شخصياً، أي أن ولد عبد العزيز هو من أبصَم بالعشرة على من تسببوا للحزب بنزيفٍ حاد قد لا يتوقف بعد انتخابات سبتمبر، بل وقد لا تندمل جراحُ ضحاياه إلا بعد الإعلان عن حلّه وهو سيناريو محتمل لمرحلة ارهاصات ما قبل رئاسيات 2019 وهو ما سيبيٌن للرأي العام ما إذا كان الرئيس حقاً ينوي المغادرة مع انتهاء مأموريته الثانية..!
الرئيس المؤسس كما يحلو للإتحاديين تسميته، هو اليوم أمام خياريين أحلاهما مـُرْ، إما أن يبادر لتأجيل استحقاقات سبتمبر ويتيح الفرصة من جديد لإعادة ترميم حزبه، أو يطلق العنان لسيل المغاضبين الجارف والذي إن تواصل ستكون ضربة موجعة ليس للحزب الحاكم فحسب، بل لكل الأحزاب السائرة في فلك النظام.