ليس من المبالغة أو مجانبة الصواب، القول إن ترشيحات حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، للانتخابات البرلمانية والجهوية والبلدية المقبلة، تمثل شأنا وطنيا عاما، نظرا لكونها تمس السكينة العامة للمجتمع وتتأثر بها وشائج الأواصر الاجتماعية التقليدية،
أكثر مما تتأثر بها العلاقات السياسية والتنظيمية، فهو الحزب الحاكم (حزب الدولة) في مجتمع قبلي ـ طبقي، توارث القبيلة جيلا بعد جيل، وتأسست البنية الحضرية العمرانية له على أساس قبلي صارخ، فنشأت مدن القبائل كما كانت "الفركان"، وأصبحت مجرد تجمعات قبلية، لا يساكن قبائلها فيها إلا ضيف أو حليف أو عابر سبيل، وباتت الحواضر والقرى هي مضارب العشيرة وديار بني القوم.
فكان التنافس القبلي والجهوي سمة التنازع بين خلطاء السياسة "الحزبية ـ القبلية"، في "حزب الدولة"، خلال مرحلة الانتساب والتنصيب، وغداة التربص للترشح والترشيح، فكان لزاما على المسؤولين عن إخراج لوائح الترشيحات في هذا الحزب أن يتحلوا بحكمة افتقدها بعضهم، وبعد رؤية قصروا دونها، ومراعاة حقيقة لا مراء فيها، وهي أن ترشيحاتهم تلامس السلم الأهلي تهديدا أو تعزيزا، بحكم تنافس الحساسيات القبلية والمجموعات العرقية عليها.
غير أن أخطاء يوصف بعضها بالصبياني، وبعضها الآخر بالانتقائي، وثالثها بالانتقامي، مست جوانب من تلك الترشيحات، فتخبطت في أتون تصفية الحسابات حينا، أو في سذاجة الغفلة عن أبعاد الفسيفساء المحلية المعقدة على امتداد تراب البلد حينا آخر، وكشفت أن بعض المسؤولين عن العملية حمل أوزار الشحن السياسي المحلي في ملعبه، وأوزارا مع أوزاه، إلى كواليس لجنة الترشيحات، فرعى في خياراتها رعي الفيلة في أودية النمل.
لكن القوم خدموا العملية الديمقراطية من حيث لا يشعرون، إذ يتوقع أن تؤدي ترشيحاتهم، إلى غياب سيطرة مطلقة للحزب الحاكم على البرلمان والمجالس الجهوية والبلدية، وهو ما يجعلنا نترقب ـ من باب التفاؤل ـ ألقا التنوع وبريق التعدد في مخرجات العملية الانتخابية القادمة، لكنهام في المقابل يذكون الصراعات بخياراتهم، ويدفعون بالتوترات المحلية إلى حافة الاحتكاك، ويرسلون رسائل سلبية إلى الفرقاء المحليين أينما كانوا، أن الدولة ممثلة في حزبها، تنحاز بكل صفاقة ـ مزاجا أو استهتار أو تلاعبا ـ لطرف على حساب أطراف أخرى، محلية وجهوية ووطنية، وأن أقصر الطرق لنيل ثقة "لجنة ترشيح الحزب الحاكم" هو الابتزاز السياسي والاجتماعي، والتلويح بالعصا، والمرور ـ ولو مر الكرام ـ عبر بوابة المعارضة السياسية، أو التهديد باللجوء إلى ذلك، وهنا تكون بعض أحزاب المعارضة جاهزة لأن تجعل من شعاراتها وأسمائها، أثافي لقدور غير راسيات، يعبر طيفها على عجل، في طبخة يمكن وصفها بكل النعوت، سوى أنها ديمقراطية، أو سياسية بالمعنى النظيف للسياسة.
في حين تبقى أحزاب أخرى تجلس على قارعة الطريق الانتخابي، كالسائلين الناس إلحافا عند ملتقيات الطرق، تنتظر الغاضبين على الحزب الحاكم، والمغاضبين له، لتزور لهم انتماء صوريا تلفيقيا يفتقر إلى الانسجام التنظيمي والفكري والسياسي، إحياء لنظرية "الثلج المقلي".
محمد محمود أبو المعالي