{يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} صدق الله العظيم.
قلما يُذكر لشخص موعدُ طلوع الفجر إلا وسأل عن موعد الإمساك، ولو كان السائل لسأل عن الإمساك استقلالا دون طلوع الفجر! ولو أن الأمر اقتصر على الدهماء لهان الخطب، لكن من الفقهاء من يفتي به، وتردد وسائل الإعلام صداهم فتذكره رديفا للفجر.. فمن أين جاء الإمساك وما مستنده الشرعي؟
حسب علمي القاصر فلا توجد محمية في الليل، ولا حيز فاصل بينه وبين النهار، والسنة تأخير السحور؛ وهو ما ينافي مبدأ "الإمساك" والعبد مؤتمِر لا شارعٌ (أو مُنَفِّذٌ لا مشرع) وقد أباح الله جميع أجزاء ليل الصيام دون استثناء، كما حرم جميع أجزاء نهاره دون استثناء بنص محكم يفهمه الغبي {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل} فكما لا يسوغ استثناء دقائق من النهار لا يسوغ أيضا حظر دقائق من الليل؛ إذ لا فرق بين تحريم الحلال وتحريم الحلال.
وبما أن من الناس من يطمئن إلى كلام الخلق أكثر من اطمئنانه إلى كلام الخالق فقد تقرر في فروع الفقه أن الكف عن المفطرات يجب عند الفجر لا قبله؛ فعلى سبيل المثال يقول الشيخ خليل في مختصره (ضمن ما لا قضاء فيه): "ونزع مأْكول أو مشروب أو [هَنٍ] طلوعَ الفجر". ويقول الشيخ محمد مولود في كفافه:
"ونزعُ [شيئه] وما بِفِيه ** حين طلوع فجره يكفيه".
وحسب فهمي القاصر أيضا فالباعث على هذا القول غير المؤصل (بالإمساك) الحرص على سلامة يوم الجاهل، لكن هذا من باب الورع (لكي لا أقول: التنطع) والورَع خارج عن مجال الفتوى كما هو معلوم، والحرص ينبغي أن يكون على تجنب الوقوع في الإثم بتحريم ما أحل الله!
لنتصور عاملا يدويا استيقظ الليلة قبل الخامسة فجرا بخمس دقائق (وفجر الأحد تمام الخامسة) فلم يتسحر لأن الإمساك حلَّ، وغدا طاويا على عمله المجهد؛ ومثله المريض وغيره.. ما المقصد الشرعي - أو الحكمة- في حرمان الناس من خمس دقائق باقية من الليل باسم دين بني على التيسير ورفع الحرج؟!
أنا مع الاحتياط، لكن ليس إلى هذا الحد؛ خصوصا وأن التوقيت الآن قطعي، والشرع يقره في الصلاة وما ارتبط بها (ومنه الصوم والإفطار).
أرجو من القائلين بثنائية الإمساك والفجر تبيين مستندهم الشرعي، أو رفع الحرج عن عباد الله، أو - على الأقل- الإمساك عن القول بالإمساك.
بقلم محمدُّ سالم ابن جدُّ