تخيل أنك في حافلة يقودها سائق متهور، وأن هذه الحافلة قد اقتربت كثيرا من الهاوية، وتخيل أن غالبية ركاب الصفوف الخلفية لا تكترث بالأمر، أما أغلبية ركاب الصف الأمامي فإنها تشجع السائق على الاستمرار في قيادته المتهورة حتى من بعد اكتمال مدة عقد اكتتابه.
قل لي ماذا ستفعل إن كنت من جملة ركاب مؤخرة الحافلة الذين يقدرون خطورة الأمر؟
في وضعية كهذه فإن هناك ثلاثة أنواع من أساليب التعامل يجب أن يمزج بينها بطريقة ذكية مع المحافظة على المقادير والنسب لأن أي اختلال في النسب قد يؤدي إلى حصول كارثة وإلى انقلاب الحافلة. هذه الأساليب الثلاثة يمكن ترتيبها على النحو التالي:
ـ التعبئة والحشد وتوعية ركاب الصفوف الخلفية واستخدام كل وسائل الترهيب المتاحة لإخافة السائق المتهور وإجباره على التوقف عن طريقته المتهورة في القيادة.
ـ التفاوض مع هذا السائق المتهور وذلك من أجل إقناعه بضرورة التوقف عن هذا النمط المتهور من القيادة، والذي لا يشكل ضررا على الحافلة وعلى ركابها فقط، بل إنه يشكل أيضا خطرا على السائق نفسه.
ـ إعداد خطة متكاملة للسيطرة على زمرة القيادة، وإبعاد السائق عنها بطريقة تضمن عدم انقلاب الحافلة أثناء عملية إبعاد السائق المتهور عن مركز القيادة.
لا تختلف وضعية موريتانيا اليوم تحت قيادة النظام الحالي عن حافلة تسير على طريق وعر ويقودها سائق متهور تعود على السياقة المتهورة، وكان قد نجا من محطات خطرة في الرحلة مما جعله يدمن على السياقة المتهورة ويعتقد بأنها هي الأسلوب الأمثل للقيادة.
لا تختلف موريتانيا تحت قيادة الرئيس محمد ولد العزيز عن الحافلة التي يقودها سائق متهور، ولذا فقد وجب طرح السؤال: ماذا أعددنا من خطط لضمان تخليص الحافلة من السائق المتهور من قبل وصولها إلى المنعرج الأكثر خطورة، أي منعرج 2019؟
بالعودة إلى الأساليب الثلاثة فسنجد بأن الجرعات ما تزال دون المستوى المطلوب، وإذا ما فصلنا في الأمر فسنجد أن:
1 ـ بالنسبة للتعبئة والحشد من أجل الضغط على السائق وإجباره على القبول بخروج آمن من زمرة القيادة فإنها ما تزال ضعيفة جدا ولم تصل إلى الحد الأدنى. هذه المهمة تقع بالأساس على عاتق الأحزاب المعارضة، وخاصة شبابها، وكذلك الشباب المعارض من خارج الأحزاب السياسية.
إلى هذه اللحظة فإن الشباب المعارض المنخرط في أحزاب سياسية أو المستقل ما يزال غائبا بشكل كامل عن المشهد.
2 ـ التفاوض وهنا سنجد أيضا بأننا لم ننجح في هذا المجال، وبأن ما كان يجري من مفاوضات سرية قد وصل إلى طريق مسدود. في هذه الجزئية لابد من التنبيه على أنه لاعيب في المفاوضات السرية التي تهدف إلى الوصول إلى تفاهمات محددة بعيدا عن ضغط الإعلام وخصوم الحوار ليتم عرضها من بعد ذلك على الجهات المعنية للموافقة عليها أو رفضها إذا كانت لا تستجيب للتطلعات.
هناك من يرفض أي مفاوضات سرية، ويصر على المفاوضات العلنية دون أن يدرك بأن احتمال نجاح أي مفاوضات علنية في الظرفية الحالية سيكون في غاية الصعوبة وذلك لسببين اثنين: أولهما أن هناك خصوما كثرا للحوار، خاصة في فسطاط السلطة، وسيعملون على إفشال أي مفاوضات يأخذون بها علما. أما ثانيهما فهو الإعلام الذي يركز دائما على نقاط الخلاف في تغطيته لمجريات التفاوض مما يصعب كثيرا من تقدم أي عملية تفاوض.
ختاما لهذه الجزئية فإنه يمكن القول بأن الجرعة الخاصة بالتفاوض هي أيضا دون المستوى المطلوب.
3 ـ إعداد خطة متكاملة للسيطرة على زمرة القيادة في اللحظة المناسبة، وهذه الخطة تحتاج أولا إلى لياقة بدنية عالية وهذه غائبة تماما عند المعارضة، كما أنها تحتاج للاتفاق على تفاهمات معينة بين الطيف المعارض تشمل من بين أمور أخرى التقدم بمرشح توافقي لرئاسيات 2019. هنا سنجد أيضا بأن الجرعة ما تزال دون المستوى المطلوب.
في الخلاصة
لقد اقتربت الحافلة كثيرا من منعرج 2019، وما يزال السائق المتهور يتشبث بالقيادة، وما تزال المعارضة عاجزة عن توفير الحد الأدنى من أي جرعة من الجرعات الثلاثة التي لابد من توفرها لإعداد الخلطة اللازمة لإحداث تناوب سلمي على السلطة في منتصف العام 2019.
تلكم هي الصورة الآن..آه نسيت أن أقول لكم بأن هناك من المعارضين من يرى باستحالة حدوث تناوب سلمي على قيادة الحافلة، وبالنسبة لهؤلاء فإنهم ينتظرون انقلابا داخل زمرة القيادة يأتي بسائق جديد لن يكون بأحسن حال من سلفه.
حفظ الله موريتانيا..