نشر المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية على موقعه على الانترنت مقالة عن حقل السلحفاة الغازي المشترك بين موريتانيا والسنغال رأت أن هذا الحقل يتأثر بالخلافات السياسية بين البلدين إلى حد كبير، ورأى كاتب المقالة "بنجامين أوكي" أنه رغم أن الأرجح أن يوقع البلدان اتفاقا حكوميا خلال الأشهر المقبلة يوضح كيفية تقاسم العائدات إلا أن "الخلاف بينهما الناشئ عن أسباب عميقة لا يساعد في انطلاق المشروع في 2018"
وأشار إلى أن الشركات العالمية تتعامل ببراغماتية مع مشاريعها في مختلف بقاع العالم وإذا واجه أحدها عرقلة انتقلت إلى مشروع آخر مشيرة إلى أن الشركات العاملة في حقل السلحفاة لا توليه نفس الأهمية فهو "على رأس أجند شركة كوسموس، ولكن الأرجح أنه ليس كذلك بالنسبة لشركة بي پي"
وفي ما يلي ترجمة نص المقالة
ظل هاجس عدم الثقة حاضرا في العلاقات الموريتانية السنغالية منذ أحداث إبريل 1989، التي اندلعت عقب نزاع بين رعاة موريتانيين و مزارعين سنغاليين، وأدت إلى وفاة عشرات السنغاليين في موريتانيا، وتسفير عشرات الآلاف من جاليتي البلدين نحو بلدها الأصلي
ورغم متانةالتداخل الشعبي بين البلدين، فإن مشاريع التعاون الحكومي قليلة جدا، ومن أبرزها مشروع "منظمة استثمار نهر السنغال" التي ظلت منذ إنشائها في 1972معلما لنجاح التعاون الثنائي بين البلدين.
يهدف هذا المشروع إلى الإسهام في سد الحاجات المائية (سد جاما )والكهربائية (سدي مننتالي وفلو) للدول المشاركة فيه، وهي بالإضافة لهما مالي و غينيا التي لم تنضم للمنظمة إلا في سنة 2006 ولم تستفد حتى الآن من هذه الطاقةفالبلدان لا ينطلقان من فراغ في مشاريع التعاون.
ومع ذلك فإن اكتشاف شركة كوسموس أنيريجي سنة 2015 لحقل غاز السلحفاة الضخم الواقع في الحدود {البحرية} بين البلدين أظهر مجددا مدى تعقد علاقات البلدين، التي تعرف مدا وجزرا منذ الاستقلال،
فقد كان مفترضا أن تدفع الفوائد الاقتصادية المتوقعة للحقل بالبلدين إلى التعاون على تسهيل عمل الشركة، لكنهما ظلا يؤجلان توقيع اتفاقية التطوير التي تلح عليها الشركة منذ أكثر من عام
العلاقات التي تعرف مدا وجزرا منذ الاستقلال تضعضت في ظل حكم الثنائي: ماكي صال وولد عبد العزيز، وهو ما قد يذبذب الإطار الزمني لمشروع حق السلحفاة.
مشروع عملاق وأمل اقتصادي
إن حجم هذا الحقل من شأنه المساهمة في نمو الاقتصاد في البلدين، إذ تقدره شركتا (كوسموس مكتشفة الحقل و بي پي التي صارت الفاعل الأساسي فيه منذ 2016) بـ 25 ترليون مكعب، وهو ما يفوق بـــ 16% الاحتياطات الجزائرية وبــ 14% الاحتياطات النيجيرية.
وبذلك يكون حقل السلحفاة من بين أهم الاكتشافات في مجال الغاز خلال السنوات الماضية بعد الاكتشافات في موزبيق وتنزانيا سنة 2010، والاكتشافات الأخيرة في مصر سنة 2015 والمقدرة بـ 30 تريليون مكعب.
وإذا حسمت الشركات قرارها بالاستثمار في الحقل سنة 2018 و بدأت في تنفيذه بعد تعبئة الموارد المالية اللازمة فلن يبدأ الإنتاج إلا في سنة 2021.
وقد اختارت كوسموس و بي پي معالجة الجزء الأكبر من إنتاجهما بواسطة محطتي إنتاج عائمتين (FLNG) ستستقبلان الغاز من الحقل وتسيلانه ثم تأتي ناقلات غاز لحمل الشحنات المسالة
و لا يستخدم من المحطات العائمة هذه حاليا في العالم سوى اثنتان: الأولى في ماليزيا، والثانية في استراليا، على أن هناك محطة ثالثة ستدخل الخدمة في موزمبيق بعد ثلاث سنوات من الآن.
وقد اختارت الشركتان هذا الحل التقني المتطور لاختصار الوقت اللازم للإنتاج، وكذلك لتفادي المفاوضات مع السلطات الوطنية والمحلية حول ضوابط تحركات السكان، التي تؤثر عادة على إنشاء البنى التحتية المستخدمة في إنتاج ونقل الغاز على الأرض.
كما أن لاستخدام هذه السفن في الحقول الواقعة على الحدود مزية أخرى وهي أنه يجنب الشركات البترولية الدخول في مباحثات لتحديد الدولة التي ستحتضن هذه المنشئات لأنها لا يمكن أن تبنى في كلا البلدين.
لذلك قررت كوسموس و بي پي وضع سفن عائمة على الحدود البحرية بين موريتانيا والسنغال، تفاديا لردة فعل تصدر من أي الدولتين المعنيتين بالمشروع{في حالة اختيار الأخرى}
وحتى إذا تسارع العمل في الحقل، بسبب إمكانيات الشركات القائمة عليه، فلن تتمكن الحكومتان من الحصول على فوائده قبل عدة سنوات، ذلك أن العائدات الأولى لمشاريع عملاقة كهذا المشروع تستخدم أولا في تسديد التكاليف التي دفعتها الشركات الخاصة أثناء مرحلتي الاستكشاف والتطوير، وبعد ذلك تبدأ الحكومات في جني الأرباح بطريقة متدرجة.
وبالإضافة إلى الفوائد الاقتصادية الكبيرة المنتظر أن يجنيها البلدان من حقل السلحفاة ابتداء من نهاية 2020 فإنهما سيحصلان على كميات معتبرة من الغاز قادرة على تلبية حاجاتهما من الطاقة، وذلك بسعر متفاوض عليه مع كوسموس و بي پي.
فإنتاج الكهرباء في البلدين حاليا مكلف جدا،لأن محطات الطاقة تعمل بشكل شبه حصري بالوقود المستورد، ففضلا عن استفادة المدن الموريتانية الكبيرة من طاقة كهربائية كافية إذا زودت المحطات الجديدة الواقعة قرب نواكشوط بهذا الغاز، فإن الغاز المستخرج من حقل السلحفاة لن تقتصر ثماره على زيادة إنتاج الدولتين من الطاقة بل سيتيح لهما تصدير الكهرباء إلى دول المنطقة.
العوائق السياسية العابرة للحدود
يبدو هذا المشروع الغازي نظريا مفيدا للدولتين، ولكن مع ذلك فالمفاوضات الثنائية بينهما طالت كثيرا وأثارت استياء الشركات النفطية، التي لا يمكنها اتخاذ قرار حاسم بالاستثمار في المشروع دون وجود اتفاق بين رئيسي البلدين.
وكانت هذه الشركات قد أعلنت عن اتفاق تعاون ثنائي قبل نهاية العام 2016، لكن هذا الاتفاق لم يوقع حتى اليوم رغم أهميته فهو الذي يحدد ضرائب المشروع المستقبلية وكيفية تقاسم عائداته بين الدوليتين والشركات، وبدون توقيعه رسميا لا يمكن التقدم في المشروع.
ومما يضعف قدرة البلدين على توقيع اتفاقية واضحة ضعفُ تجربتهما في ميدان استغلال الطاقة؛ فموريتانيا تنتج منذ 2006 كميات ضئيلة من النفط في حقل شنقيط الذي تشرف عليه شركة بتروناس الماليزية (سيتوقف في نهاية 2017)
كذلك تنتج السنغال كميات محدودة من الغاز منذ 2002 بالتعاون مع شركة فورتيزا الأمريكية.
وهناك عقبات ذات طبيعة سياسية جوهرية تعيق تقدم المفاوضات، ولذلك اختارت الحكومتان أن تجري مفاوضاتهما في باريس نظرا لأنه مكان محايد، غير أن اجتماعات عدة كانت مقررة بين الخبراء لحل الإشكالات التقنية ألغيت لأسباب سياسية.
ولا يعدم كل من الطرفين ما يزعج الطرف الآخر، فالرئيس الموريتاني منزعج من الحضور البارز لمعارضيه في العاصمة السنغالية دكار، لاسيما زعيم إيرا بيرام الداه اعبيد، الذي قضى فترة سجن من 18 شهرا في سجن ألاك (جنوب غرب موريتانيا) خلال عامي 2015-2016 ل" لانتمائه لمنظمة غير مرخصة وتحديه لقوة عمومية" وبعد ذلك اتخذ من دكار مقرا له، وواصل من هناك القيام بالأنشطة التي سجن بسببها ولاسيما الكفاح ضد الممارسات الاسترقاقية في موريتانيا.
وهذه المواقف التي يتخذها ولد اعبيدي في الخارج تثير غضب الرئاسة الموريتانية التي تنفي صحة ما يقول عن الممارسات الاسترقاقية، ولتفادي تأزيم الموقف فإن السنغال تضغط بلباقة على ولد اعبيدي للتخفيف من أنشطته، ومن ذلك إيقافها لمؤتمر حول الوضعية السياسية في موريتانيا كانت سيعقده كل من {فرع} منظمة العفو الدولية وإيرا موريتانيا والرابطة السنغالية لحقوق الإنسان، في نهاية سبتمبر الماضي، وقد أفهمت السلطات السنغالية المنظمين أن تنظيم هذا النشاط سيضر بالعلاقات مع الجارة الشمالية.
نفس المصير واجه نشاطا آخر كان سيعقد في 5 اكتوبر 2017، وجود فرقة أولاد لبلاد في السنغال مزعج للرئيس الموريتاني لأنها سبق أن وصفته في فيديو اكليب بالسارق
كما أن الرئيس الموريتاني منزعج من التقارب الحاصل بين ماكي صال و المعارض الموريتاني المطارد من قبل الرئيس المصطفى ولد الإمام الشافعي المستشار السابق لابليس كومباوري.
على الجانب الموريتاني، أوقف في أغسطس وسبتمبر الماضيين عشرات الصيادين السنغاليين المنحدرين من مدينة سين لويس (تحديدا حي كيتا ندر) حينما كان يصيدون في المياه الموريتانية وجرى إبعادهم إلى السنغال، على غرار المئات الذين أبعدوا سابقا
وقد ظلت موريتانيا خلال السنوات السابقة تتسامح مع الصيد غير القانوني مما يدل على أن إبعاد هؤلاء الآن دليل على حدوث توتر في علاقات البلدين.
ويشتكي السنغاليون في موريتانيا من تشدد السلطات في منح أوراق الإقامة التي أصبحت إجبارية منذ 2012، حتى بالنسبة لمواطني دول المنطقة، وفي حالة عدم وجود الأوراق أصبحت السلطات الموريتانية تتجه لطرد السنغاليين الموجودين بكثرة في موريتانيا.
ومن أسباب هذا التوتر أن الرئيس السنغالي ماكي صال لم يقدر الوساطة التي قام بها ولد عبد العزيز في الأزمة التي نشبت في غامبيا بعد الانتخابات الرئاسية في ديسمبر 2016 ورفض يحي جامي ترك السلطة
فالرئيس الموريتاني يعد من أقرب رؤساء المنطقة إلى يحي جامي وخروج هذا الأخير من السلطة يعني إضعاف دور موريتانيا في غامبيا وإقليم كاصاماصا السنغالي
ملخص
تتعاطى الشركات البترولية مع مشاريعها المختلفة بنظرة براغماتية، وإذا واجه أحدها عرقلة من قبل بعض الحكومات فيمكن لها أن تعلقه بل تتخلى عنه،و لا شك أن حقل السلحفاة على رأس أجند شركة كوسموس، ولكن الأرجح أنه ليس كذلك بالنسبة لشركةبي پي.
والأرجح أن يوقع البلدان اتفاقا حكوميا خلال الأشهر المقبلة أما الآن فإن الخلاف بينهما الناشئ عن أسباب عميقة لا يساعد في انطلاق المشروع المقرر أن يكون في 2018 لذلك لا بد أن يقرر رئيسا البلدين من الآن توقيع هذا الاتفاق ووضع خلافاتهما جانبا لكي لا يعيقا تطوير هذا الحقل وما يحمله من منافع للبلدين.
المركز الموريتاني للدراسات والبحوث الإستراتيجية
بالإمكان مطالعة أصل المقال باللغة الفرنسية بالضغط هنــــــــــــــــــــــــا