مما لا شكّ فيه أنّ الموريتانيّين باختلاف مشاربهم سوف يعودون على مدى عقود قادمة إلى الحديث عن الرئيس محمد جميل ولد منصور وفترة رئاسته لحزب "تواصل" بلغة المدح والثّناء والشكر والحنين من قِبل التيار الإسلامي والوطني وقوى اليسار التقدّمي والأجيال الجديدَة من كلّ الشرائح والجهات، أو بلغة النقد والاعتراض من قبل قوى اليمين والمعارضة الرّادكاليّة التي تأخذ عليه التذبذب والتأرجح بين "النّطح" و"النّصح"، إلخ،،، وبالرغم من الاختلاف البيّن بين السياسيّين على هذا النّحو، إلا أنّ هناك اتفاقا ضمنيا يرقى إلى درجة اليقين من أنّ الرئيس محمد جميل ولد منصور زعيم وطني مخلص لا شكّ في إخلاصه، وقدير لا مِراء في مقدرته،،، منذُ صِباهُ وهو يمارس العمل السياسي في أزهى صوَره لجهة نظافة اليد واللسان والكفاءة والاعتدال والالتزام والاستقامة والثّبات. واستطاع مع إخوَته تحقيق إنجاز تاريخي تحوّلت بفضله الحركة الإسلاميّة والإصلاحيّة من نوادي شبابيّة متشَتِّتَة وتنظيمات سرّية طريدَة، ومقصِيّة ومنفِيّة إلى صَرح وثيق، وحزب متين ومنين، يؤمُّ ويقودُ العمل السياسي المعارض في البلاد، ويحظى باحترام إقليمي ودولي كبير.
وخارجا عن المواقف السياسية من الرّئيس محمد جميل ولد منصور، وهي في أغلبها تعبّر عن رؤية متحَيِّزَة أو حالة وجدانيّة تحكمها دواعي الزّمان والمَكان، فإنه في غيابه عن واجهة المشهد، سيبقى كما كان في حضوره، يمثّل حالة إجماع نادرة في المسار السياسي الموريتاني منذ تسعينات القرن الماضي؛ وقد يستحيلُ تكرارها، لأنّها وُجِدَت خارج السياق العام المنغَمس بكلّ أسف في ظلام الفرديّة والانتهازيّة والتمصلُح ورفض تداوُل السلطة. أقول هذا، وقد التقيتُ الشاب وهو يخطو خطواته الأولى في عالم السياسة (1990-1991) داعِما ومؤيِّدا لقائمة "الشورى" لبلديّة انواكشوط، وتبيّن لي ما بحَوْزَته من جُهد مبدع وتميُّز ملفت لم تكذبه الأيّام... وداعا يا جميل، وداعاً يا أوّل رئيس حاز الرّئاسة ديمقراطيّا وتخلّى عنها ديمقراطيّا وطَوعا! ونسأل الله أن يوفق حزبكم لاختيار خير خلف لخير سلف، وأن يجعل من التناوب على رئاسة حزبكم فاتحة عهد جديد للتناوب على رئاسة الجمهوريّة بما يعود بالخير والبركة على البلاد والعباد.