نظم بيت الشعر -نواكشوط- مساء أمس (الخميس) أمسية شعرية حاشدة أحياها الشاعران: محمد الأمين أحمد عبدي، ومحمد المامون محمد.
وبدأت الأمسية بتقديم الشاعرين، فمحمد الأمين أحمد عبدي، من مواليد 1991 في مدينة "كيفه" (وسط البلاد)، هو شاعر وكاتب موريتاني وعضو في اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين، وله ديوان شعري (أشرعة الرؤى) وشارك في عدد من المهرجانات الدولية والمحلية، فضلا عن كونه خريج كلية الآداب بجامعة نواكشوط.
أما محمد المامون محمد(17 عاما)، من مواليد مطلع القرن الجاري، وهو رابع ثلاثة نظَّروا وأسسوا "صالون مامون الأدبي"، وقد مكنته نشأته في بيئة أدبية علمية من التعرف مبكرًا على الشعر فعشقه وتعلق به، ودرس أمهات الكتب المحظرية المُدرسة للطلاب من عمره في مواضيعَ مختلفةٍ.
بعد ذلك استمع الحضور إلى الشاعر محمد الأمين أحمد عبدي، الذي قدم عدة قصائد من ديوانه أكدت تشبثه بقيم الأصالة العربية وتغنيه بالقضايا العربية الكبرى دون أن ينسى همومه الذاتية.
محمد الأمين أحمد عبدي بدأ بقراءة قصيدته "أشرعة الرؤى" التي يقول فيها:
حتام أشدو في الظلام العاتـــــــــي
وتقودني العثرات للعثــــــــــرات
وعلى ضفاف اليأس أرزح واجما
يزورّ ضوء الفجر من نظراتــــي
وزوابع الأرزاء تنهش مهجتــــي
وتصب في وهج الوجود حياتــــي
وأنا المشرد بين أشرعــــة الرؤى
والحائر المشنوق بالحســـــــــرات
إلى أن يقول:
مذ جئت للدنيا وقلبي غــــــــارق
في الشك في الأوجاع في الطعنات
مذ جئت للدنيا وجرحي نـــــازف
أحبو من الظلمات للظلمـــــــــــات
يا أنت يا وطن المراسم والمــــدى
أشكو إليك تمزقي وشتاتــــــــــــي.
وأنشد من قصيدته "ملح":
هناك ..
على ضفة الملح
شابت ذوائب أحلامنا
وجفت عروق خطانا
إلى أن يقول:
هناك..
على ضفة الملح
ينبت عشب الضياع
ويورق ليل التمزق
نصرخ لسنا على ما يرام.
ويقول فيها أيضا:
ترجلْ..
أعد للمدينة
كل الطيور التي هاجرت
وأنقذ حجارتنا
من براثن هذي الهواجر
طهر سمانا.
بعد ذلك قرأ قصيدته "قد تبوأت"، التي يقول مطلعها:
قد تبوأت فـــــــي مكانا عليــــــا
يا غزالا ثوى مكانا قصيـــــــــــا
يا غزالا عشقتــــــــه منذ مهـدي
وتجاوزت في هواه عتيــــــــــــا.
إلى أن يقول:
لست أخشى فقد ورثت قديمــــــا
عن أبي في الهوى صراطا سويا
إن تلوا ما قرضته فيك يومـــــــا
سيخرون سجدا وبكيـــــــــــــــــا.
أما الشاعر محمد المامون محمد فقد قرأ بدوره عدة قصائد تمثل تجربته الشعرية، حيث تغلب عليها الصورة الأدبية الحديثة التي تمتح المجاز والإحالات، وتتكثف بسرعة كالغيوم لتمنح القارئ غدرانا وأعاصير مشبعة بتعدد المعنى والتأويل المفتوح.
محمد المامون قرأ قصيدته عن اللغة العربية "اللحـظة البكـر ..!"، التي يقول في مطلعها:
- بِـوَادي الغـيابِ المحـضِ..
بِي اندَلعَ السـكرُ..
وَ قَـلبيَ لـم تمـسسهُ نارٌ، وَ لاخـمرُ..
- عَـلى قَـلقٍ...
أندسُّ في عتـمـةِ الرؤى
لـتُوقدني في خُـلوتي اللحـظةُ البـكـرُ..!
- " خـلصـتُ نجـيًّا "؛
أقرأُ الكونَ سورةً ..
يـقـلِّبُـها والنـاسَ في فَـمه الدَهـرُ...
- أفـكِّكُ للمـعنى...
ضـفيرتـهُ عَـلى مرَايَـا المجـازِ الحـرِّ ..
حيثُ المـدَى بـدرُ..!
- حَـملتُ عَـلى عيسِ السـؤالِ قصـيدتِي
فـَـلي سـفرٌ نحـوي ...
وَ زادي بِـه الـعـمرُ...
- نَـشيدٌ ..
سَــماويُّ التــلاحـينِ شَـدَّني إِلى طـورهِ صحـوًا ، فـغـيَّبني الـسـرُّ..!
- وَ آنـستُ
مـن نارِ النـبوَّةِ " جودِيًا "
وَ " قابَ تـجلٍّ " ....عنِّيَ البـوحُ يـزورُّ..
- سـتكـسرُ سـورَ الصـمتِ
مـئـذَنةُ الصَّدى..
فأخـلعُ نعـلَ الخـوفِ...ينـكشفُ السـترُ...!
إلى أن يقول:
- " رجـعتُ لأمـّي .."
كيْ تقـرَّ عُيونُها
وتَـعلمَ أنَّ اليمَّ للشـاطِئ الجـسرُ...
- أتـيتُ ،
معـي التـابـوتُ أحمـلُ آيـةً ...
وَ ذاكـرةً منـهَا انتَـشى الحـبرُ والسـطرُ..!
- مَعـي حـكمةٌ
- والبحـرَ أرقبُ خائفًا -
يـقالُ قديمًا: " شـدَّ للغـرقِ الـدرُّ "..!
- لـأنّـكِ كالتــشبــيهِ...
أيُّ استـعارةٍ أكنِّي بـها ...؟
الإيـحاءُ ، أذهـلهُ الجـهرُ..!
- فَـمعناكِ ظــل
لاَ تـطاولُه يدٌ لطـفلٍ
جَـرى في الخـلفِ مدركـه الإثـْـرُ..
- مـقاَمـك
لَـم تطــمثهُ قــبلكِ دَهـشـةٌ..
وَ ما أذهـلَ الإمعانَ من قـبلكِ السـحرُ..!
- فـمنكِ
حـليبَ الأبـجديَّةِ أرضَـعت حـليمةُ تـرتيـلي ،
فـشُقَّ له الصـدرُ...
- وَ مـبـتدأَ الأشــياءِ
كنتِ
ومـصدرًا..
ففي جملةِ الإعـراب مَا مـسَّكِ الجـرُّ..!
- تـسربَّ لحـني
من مَسام حنـينِه إلى لُـغةٍ ..
من رَوحـها يُسكبُ العطرُ..
- كَـقَافـلةٍ..
مـرِّتْ على الأرضِ،
حِـملُها قَمـيصٌ من الأنـواء
مَـطلعـهُ البـِشرُ..
- يُـنادمُـها التـاريخُ أوَّل رعـشةٍ
وَ في أزلٍ "حـلَّت"
وَ قـالتْ :" أَنا مـِصرُ..!"
- وَ مـرَّت..
عَـلى بـالِ المـسافاتِ نسـمةً حـجازيَّةً...
فاسـتُنـشقَ المجدُ والفـخرُ..
- وَ مـدَّت..
إلى طـفل الحضارات مهـدَها
ببغـدَادَ يـرعاهُ بـها النخلُ والنهـرُ...!
- و مِن يَـاسمـينِ الشـام
كانت نَـبيَّـةً...
تـؤثثُ حـقلَ الروحِ قُدسًا فيـخضرُّ..!
كما قرأ قصديته "عـشبٌ أرضه الحجرُ"، التي يقول فيها:
تَسيلُ فـوقَ خـدودِ الأرضِ قبلـتُها
نــايًــا تـعانـقَ فيـهِ الرعدُ والمـطـرُ !
تـمـدُّ أجـنـحَــةِ الـمـأوى..بــلاَ قلقٍ
و يسكـرُ الرمـلَ في صحراءها الشجَرُ
كـأنَّ في يـدهـا مصــبــاحَ أغــنيــةٍ
مــنَ الحـنـيـنَ تُــواري ظـلَّـهُ الصــوَرُ..!
تـقـتاتُ مـنْ وجــعِ التــاريخِ دهـشـتَها
لِتــوقـظَ العـابريـنَ الـآنَ...؛ ما العبَـرُ ؟
إلى أن يقول:
يـَنـَامُ فـي كـفِّــها نَــوءُ المـجــازِ نَــدًى
يقــبِّـلُ الوردَ...كـالحـنَّـــاءِ ينـتثـِـرُ...!
عَـلى بسـاطٍ مـن اللاوعـيِ تحـمـلنِــي
قربــانَ عشــقٍ تَـنـادى خـلفَـهُ الوتـَـرُ ..!
تـزفُّ خــارطــةَ الـإنســانِ بــوصــلةً
و تـرقبُ الــسرَّ في الإيـحــاءِ يستتـرُ..
وَ عطـرهـا رحـمُ الأوجــاعِ تنشــرُهُ
كـمَـا يغـنِّـى بــجـوفِ الظلمـةِ القمــرُ...!
قَصـيـدةٌ...أنتِ...يـا أنتِ التي اقتبستْ
قــرآنَ درويشَ.. " عشبٌ أرضُه الحجَرُ"!
محمد المامون ختم بقراءة قصيدته "بصمةُ الريـحِ "، التي يقول فيها:
أسدَلَ الليلُ السَتائِرْ قَارئًا سفرَ الخَسائرْ ..
وَ تـدلَّى من بعـيدٍ غصنُ ذكرى مثلَ زائرْ !
وَدليـلُ الزائرِ النـارُ حنـينًا في السـَرائـرْ..!
أشعـلَ الشوقُ ضجيجًا في حنايا الروحِ جائرْ !
أُرسـلُ الطـرفَ حَـسيرًا خاسِئًا يرجعُ..حائرْ../
كلَّـما ينـدلعُ البـوحُ تَــرى الإلهامَ ثَــائرْ...!
كانَ تفـكيري قديمًا كافرًا بالعـشقِ...كافرْ !
وَ عَـلى دربِ الأغاني ِ مثلَ طفـل كـنتُ سَـائرْ..!
فَالهـوى سـرُّ عـذاب ِ النبضِ في أرضِ العشائرْ !
لـكِنِ الحيرةُ والخـيبةُ حظَّا كلِّ شــاعرْ..!
شجـرُ الآلامِ عُـشٌّ وَ شعورُ القلبِ طـائرْ../
رُغمَ ماكانَ قديـمًا أنَّني للحـورِ قَـاهرْ..
"بصـمةُ الريحِ "بقلبي رتَّبتْ رمـلَ المشَـاعرْ..!