قضية ولد امخيطير بلاء أنزله الله على بلاد شنقيط، فهي أرض أهلها أغلبهم ينتسبون للنسب الشريف، وأغلبهم صلحاء وأقطاب زمانهم، يحفظون القرءان غالبا، كلهم مجاهدون وأبناء شهداء، علماء أتقياء، بلاد المليون شاعر، أرض المنارة والرباط، فدولة المرابطين لهم بلا منازع، وعلم الحجاز أحيوه بعد فترة، والأزهر درسوا فيه النوادر والدرر، وبلاد السودان صالوا فيها وجالوا ...
فياترى كيف كان وضعهم في مقابل سب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاستهزاء به والقَدْح فيعرضه وعدالته؟
لقد انكشفت عورات بسبب هذا البلاء:
العورة الأولى: عورة المعتقد:
حيث ثبت أن الحالة العقدية هشة جدا باعتبار ضعف حصانة المساس بالمقدسات فهمًا وتعظيما وصونا وحراسة؛ فمقال من نكرة أثار مواقف متباينة من مسألة عقدية مقدسة، بحيث لم يتفق الجميع على البحث عن حراستها ومعاقبة مرتكبها، متعللين بذرائع شتى للتنصل من حمايتها؛ تارة بتأويل الدين وتارة بالحداثة وتارة بالطبقية وتارة وتارة ...
العورة الثانية: عورة القضاء:
الناظر في الملف قضائيا وعلى الرغم من وضوح الجرم، يجد أن عورات القضاء قد انكشفت بلاساتر
أولا: الضعف في التكييف
إن قضية واحدة مرت على مراحل القضاء كلها صعودا ونزولا، لنجد أربع تكييفاتمختلفة، فهذه المحكمة الابتدائية تكيف الجرم بالزندقة، ومحكمة الاستئناف تكيفه بالردة، والمحكمة العليا تحتار لتبتدع في قرارها سطورًا تنفي الزندقة ولا تثبت الردة، مجتهدة بما لاوجه للصحة فيه من الوقاية من الضرر مع وقوع سببه، موجهة بمنع الطرفية على من قبلت استئنافهم بوصفهم الطرف المدني، لنتفاجأ بحكم التشكيلة المغايرة لمحكمة الاستئناف بتكييف غائب التوصيف، مع عقوبة لجرمٍ المدعي فيه غير معترف به أو مستبدل.
ثانيا: الهرم القضائي المقلوب:
المتتبع للقضاء في قضية ولد امخيطير يجد أن الدرجة الأدنى في السلم القضائي هي الأقوى تكييفا والأوضح تعبيرا والأسرع إجراء والأقنع حكما، بينما تلعثمت وتلونت وتناقضت درجات الاستئناف والمحكمة العليا ...، الأمر الذي يوضح أن اختيار القضاة في الوظائف الأعلى يفتقد للمعيارية.
ثالثا: خيانة النيابة العامة:
الواقع أن النيابة العامة خانت الأمانة وضيعت الحق، حينما تمالأت مع دفاع المسيء ولَم تستأنف الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف الأولى، والذي غير تكييف الجرم من الزندقة إلى الردة، أما الأخطر من ذلك فهو امتناعها عن تحريك الدعوى ضد مسيئين آخرين علمت بجرمهم وتركتهم أحرارا طلقاء، الأمر الذي يثير العجب!
رابعا: خلل الإجراءات:
المتتبع للملف يجد القضاء خارقا للآجال غالبا، غير مكترث بأهمية سلامة الشكل؛ فجميع الآجال تم خرقها، واستبعاد الطرف المدني تم بعد الخوض في الأصل واستنطاق المسيء.
العورة الثالثة: عورة المحاماة:
في البداية وللإنصاف فإن نقابة المحامين لعبت دورا هاما في حراك النصرة، حين كان الملف معروضا أمام المحكمة العليا وذلك لعدة عوامل موضوعية ومتعددة، غير أن عورة المحاماة انكشفت في عدة مناسبات منها:
أولا: عدم استئناف الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف الأولى، الذي غير تكييف الجرم من الزندقة إلى الردة، وقد كانت النقابة ممثلة في جلسة الحكم.
ثانيا: عدم التنسيق بين المحامين الممثلين للطرف المدني، الأمر الذي أظهرهم بمظهر الضعف.
ثالثا: تغليب المحامين لخلافاتهم الشخصية ورغبتهم في البروز، على مقتضيات الدفاع المشترك ومبادئ المهنية؛ مما أثر سلبا على الملف.
رابعا: اختلاف المستوى العلمي والمهني للمحامين، الأمر الذي أدى إلى بروز محام مقتدر، اتحد ضده أصحاب المستويات الأخرى بدفع من النقابة؛ مما أثر سلبا على الملف.
خامسا: اهتمام النقابة أكثر بملف إيرا على حساب ملف المسيء، الأمر الذي جعلها تقرر التنقل لمحكمة ازويرات في نفس الْيَوْم الذي يعرض فيه ملف ولد امخيطير أمام المحكمة العليا.
العورة الرابعة: عورة العلماء:
الحاضنة الطبيعية لهذا الملف هم العلماء، خاصة في موريتانيا بلاد شنقيط ومهد العلماء، حيث روابط العلماء والأئمة والدعاة وأحزاب العلماء، ومع ذلك فقد وجدنا اهتماما من منتدى العلماء والأئمة لنصرة نبي الأمة، ودورا من المنتدى العالمي لنصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما البقية فانكشفت عوراتهم بلا استحياء،ومنهم:
أولا: رابطة العلماء
ثانيا: رابطة الأئمة
ثالثا: علماء هيئة الفتوى والمظالم
رابعا: علماء المجلس الإسلامي الأعلى
خامسا: حزب الفضيلة صاحب شعار " لائحة العلماء"
سادسا: منبر الجامع الكبير
سابعا: وزارة الشؤون الإسلامية
إن المفارقة الدالة على سوء العورة المكشوفة، هي أن كل العلماء الذين يشغلون مناصب في الدولة استشارية أو تنفيذية أو انتخابية أو تمول هيآتهم من الدولة أو يخطبون في المساجد المستفيدة خرسوا وبكموا؛ تفضيلا لتلك المكاسب على الدفاع عن عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم.
العورة الخامسة: عورة القادرية:
بدا جليا أن المدارس الصوفية هي الرافد الأول للدفاع عن الحبيب صلى الله عليه وسلم، الأمر الذي نجحت فيه المدرسة التيجانية، ضاربة المثل في المحبة مدحا وبذلا وتحملا وجهدا، فكانت النباغية وبرينة ومعط ملان في الساحات بكل قوة، بينما تخاذلت المدرسة القادرية فلم تقم بحشد ولا بدعم ولا بضغط؛ فانكشفت عورة التربية والتعلق في منهجها.
العورة السادسة: عورة الإسلاميين:
والإسلاميون أصناف : صنف سياسي هم حركة الإخوان ( حزب تواصل ) حيث تجارة الدين وبيع صكوك الغفران السياسي ، المرتزقة الدينية وأصحاب شعار " الإسلام هو الحل " الذين نكثوا عهدهم لدينهم ، وباعوا عرض نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم ، مقابل رضى مأمول من البعثات الدبلوماسية الغربية في انواكشوط ، على أمل تصنيف الوسطية والاعتدال والانفتاح ، فغابت خلاياهم الخبيرة في التظاهر والحشد ، وغاب إعلامهم السليق ، وغابت أقلامهم وصفحاتهم المشهورة ؛ فانفضحت عورتهم المتأسلمة حبا في الأصوات والزكوة والتبرعات فقط ، التاركة لنصرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم .
والصنف الثاني هم جماعة الدعوة والتبليغ الذين انكشفت عورتهم كذلك،بنفس الحال ونفس السوء مع فارق المنهج والآلية.
أما الصنف الثالث فهم المتطرفون الأصوليون الإسلاميون وهؤلاء من فضل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم أنهم لم يشاركوا، راجيا من المولى جل جلاله أن لا يكون حكم التشكيلة المغايرة بوابة لدخولهم إلى حيثيات الملف، ذلك الدخول غير المرغوب إن حدث سيكون مؤلمًا كباقي تدخلات تلك الجماعات المتطرفة.
العورة السابعة: عورة المجتمع:
إن معالجة المجتمع الموريتاني لهذا الملف أظهرت عدة عورات تمثلت في الحمية الجاهلية العنصرية قبلية وجهوية وطبقية، ظهرت في معاداة النصرة،والتآمر داخل أروقة القضاء والمحاماة والإعلام، كما أبانت عن هشاشة في اللحمة الوطنية استغلالا لدى الدوائر الخارجية وانعداما لدى الشرائح الوطنية،كما أظهرت انفصاما شرائحيا خطيرا، حيث أن هذا الملف الذي حرك غالبية الشعب وشغل الدولة غابت عنه شريحة وطنية هامة.
العورة الثامنة: عورة السياسيين:
غاب السياسيون جميعا بهيآتهم السياسية عن الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ فمنهم من يرى أن الملف يخص القضاء ويتكلم في غيره من الملفات الأخرى المعروضة أمام القضاء ( التكتل + المنتدى ) ومنهم من يرى أنه في يد أمينة بيد الدولة التي يتوسط لديها ويضغط عليها في جميع أموره ( أحزاب الأغلبية ) ، وعلى المستوى الشخصي فبعض السياسيين وأكثرهم من الأغلبية حضر لساحات النصرة ، أما من المعارضة فرئيس حزب واحد حضر ساحة النصرة ، وسياسيون آخرون يرون في الملف حرية رأي وثقافة عامة يعبرون في الخفاء عن مساندتها، ويخافون عقاب المجتمع عند وضوح الموقف ؛ فأهل السياسة في موريتانيا لا علاقة لهم بقاعدتهم الانتخابية ولا باهتماماتها، كما لا يصنعون الموقف والرأي العام .
العورة التاسعة: عورة الدولة:
انكشفت عورة الدولة من جوانب عدة:
أولا: من زاوية السيادة:
لعل إقرار الرئيس بأن سفير دولة أجنبية أساء عليه الأدب ليطلب منه تسلم مواطن موريتاني مودع في السجن بأمر قضائي في ملف منظور أمام القضاء، يمثل قمة خرق السيادة الوطنية، خاصة أننا لم نسمع الرد الدبلوماسي الشهير باعتبار هذا الدبلوماسي "شخصا غير مرغوب فيه " الأمر الذي يؤكد أن الدرجات الأدنى من الرئيس تعرضت لما الله أعلم به من خرق للسيادة الوطنية.
ثانيا: من زاوية الاسم:
إن الاسم الرنان للجمهورية " الاسلامية "الموريتانية تعرض لكثير من التشكيك، فلا المسطرة إسلامية ولا الحكم إسلامي ولا القضاء إسلامي، بل غاب في هذا الملف كل ما هو إسلامي؛ خاصة أننا خدرنا رئيس الجمهورية بكلمته الشهيرة بأن " البلد ليس علمانيا "
ثالثا: من زاوية الأمن:
بدا الأمن الوطني هشا بغياب استراتيجية للتعامل مع الملف من جهة، وغائبا من جهة أخرى حيث تم توثيق مواطنين يتخابرون مع دول أجنبية في ملف معروض أمام القضاء دون توجيه أي مساءلة لهم، ناهيك عن التلاعب بقضايا شرائحية، والمس من الوحدة الوطنية، أمام ضباط الأمن في قاعة المحكمة دون تحريك ساكن، لكن الأمن نجح بكل بسالة في انتهاك حرمات المساجد وضرب الشيوخ وصب الغازات على النساء في ساحات النصرة.
العورة العاشرة: عورة الإعلام:
على الرغم من أن واقع الصحافة في بلدنا سببه الفوضى والتسييب الذي تنتهجه الجهات الوصية، فإن إعلامنا يفتقر إلى الرؤية التحريرية الممنهجة، ماعدا بعض مؤسساته المؤدلجة، فإن المأخذ على إعلامنا هو عجزه عن حمل هذا الملف إلى العالم الإسلامي ليكون ملفا إسلاميا بدل بقائه ملفا داخليا، تلك النقيصة لا تمحو التأثير الهام للإعلام الوطني في الرأي العام الداخلي، خاصة في حشد الثلاثاء 31 يناير، الأمر الذي فهمته الإدارة فاحتاطت لغلق القنوات المرئية بالتزامن مع تحريك الملف.
بقيت عورة واحدة لا يمكن كشفها إلا بعد انتهاء جميع مراحل التقاضي، وسأنشرها حينها إن شاء الله.