لست أبدا في وارد التعليق على فتوى الشيخ الفاضل محمد الامين الشاه بخصوص عدم اشتراط الولي في النكاح تأييدا لها أو اعتراضا عليها لأنني لست في مقام يسمح بذلك و لن أتجاوز مقامي. "قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ" ولكن فقط من باب حث المعنيين والمتخصصين على تحديد سياق النقاش حتى لايتيه المتلقي في حيص بيص كالحلقة المفرغة لايدرى أين طرفاها أبدي ملاحظات سريعة:
-أمر الولي في النكاح ليس نازلة معاصرة حتى يمكن أن يصدر فيها فتوى جديدة ولذلك فالحديث فيها لا يعدو أن يكون استدعاء لأقوال الأئمة و أهل العلم.. وتقوية هذا الدليل أوذاك من قبل هذا المفتي أو ذاك لاتعدو أن تكون زيادة القائلين به أو تكرارا لأقولهم مادامت في سياقها العام.
نعم يمكن الحديث عن نازلة"العضل" أو الانحلال الخلقي في سياق الحديث عن عدم اشتراط "الولي" إذا ما تأكد بالأدلة الناصحة والبراهين الجلية أنها أصبحت ظاهرة ضارة بالمجتمع وحينها يكون الحديث في موضوع عدم اشتراط الولي ليس عاما في جميع النساء وإنما في سياقات محددة وحينها لن يكون هناك كبير خلاف في الموضوع ويبقى مدار الموضوع على "تحقيق المناط" فقط.
وإذا كان "للعضل" الظالم مضاره التي عالجها الشرع بآليات وطرق معروفة فإن التساهل في أمر الولي ربما يكون كذلك له مضاره الاجتماعية الخطيرة التي قد تعصف بالمجتمع وبقيمه وأخلاقه وتكون رافعة لفوضى عامة في العلاقات الاجتماعية مفاسدها لاتبقي ولا تذر... وهو أمر لابد أن يقدره الفقهاء حق قدره وأن يرعوه حق رعايته.
-الشيخ محمد الامين الشاه قوى أدلة القائلين بعدم اشتراط الولي وهو مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه وسرد مجموعة من أقوال العلماء تعزز ذلك مضعفا أحاديث "الولي" وهذا ما جعل الأحناف لايقبلونها لأنها زيادة على نص قوله تعالى " فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن" فأسند النص النكاح –أي الزواج- إلى المرأة لا إلى وليها والزيادة على النص المتواتر نسخ ولا تكون إلا بمتواتر عندهم كما هو مبثوث في مظانه وليس بالأمر الجديد.
ومن هنا فتجاوز إطار الحوار العلمي إلى التفسيق والتبديع والتجهيل يذهب بهاء الحق ونصاعته مع مافيه من الظلم البين للشيخ الفاضل الذي لم يزد على أن عزز قولا سبقه إليه غيره من أهل العلم.. اختلفنا أواتفقنا مع ذلك القول أو تلك الفتوى.. سيظل للشيخ مكانه ومكانته.
ذكر الشيخ محمد الامين الشاه أن أقوال العلماء " لا يستدل بها ولا يحتج بها في الدين, وإنما يحتج لها ويستدل لها" والمعلوم أن الدليل الشرعي هو قال الله تعالى وقال رسوله صلى الله عليه وسلم لكن مع ذلك لم يأت الشيخ بنص قطعي الدلالة والثبوت يجيز الزواج دون إذن الولي وإذا كانت هناك آية تسند الفعل إلى النساء فإن هناك آيات أخرى تسند الفعل للرجل-أي الولي- مثل وأنحكوا الأيامى منكم" وقوله تعالى" ولا تنحكوا المشركين حتى يؤمنوا" ومعلوم أن هناك ضوابط حددها العلماء للتعامل مع النصوص وهي التي على أساسها يبدي العلماء اجتهاداتهم ويضعون أقيستهم ويعتمدون عليها لاستنباطاتهم لذلك تضمنت فتوى الشيخ طائفة من العلماء استدل بها لا لها واحتج بها لالها ( الزهري والشعبي وأبو حنيفة ابن رشد..) وهذا يجعل القول المقابل من حقه أن يتقوى بأنه قول جمهور أهل العلم.
لم يكن الشيخ محمد الامين يجهل أحاديث " الولاية" حتى يحتج عليه بها لذلك فعلى من يعترضون على الفتوى أن يزيلوا الإشكالات التي وضعها الشيخ أمام العمل بالحديث بالمنهج العلمي الرصين المعتمد في بابه ومناقشة الأدلة نقاشا علميا لا" يشخصن" الأمر ولا يسهب في نقل أقوال الفقهاء بعيدا عن الإشكالات التي أثارها الشيخ الذي يعلم أن الحديث قد يتقوى بالمتابعة والشواهد.
وختاما فالفتوى بغيرمذهب الجهمو سنن لا يرتضيه العلماء لما يفتح من مجال دخول الأقوال الشاذة التي لا ضابط لها سيما في مثل هذه الأمور ذات البعد الاجتماعي الحساس. والعدول عن أقوال الجمهور أو الأقوال الراجحة لا تكون إلا بضوابط خاصة وفي نوازل محددة ولا تكون في فتوى عامة للجميع.. والذي يظهر أن توحيد الفتوى في مثل هذه الأمور أولى والمصلحة فيه راجحة حتى لايكون ذلك مطية للترخص والتساهل وبل وربما العبث بلبوس الشرع. إلا في حالات تتطلب ذلك... فلكل نازلة خاصة حكم خاص بها لكن تعميمه ليطال غير تلك الحالات ليس من الوارد.
أعتقد ان مراعاة الملاحظات السابقة في الموضوع ستوفر كثيرا من الحبر غير الضروري وستجعل النقاش في سياق علمي شرعي بحت نستفيد منه جميعا.. والله أعلم