لسنوات عديدة، تعلمنا أن مستقبلات التذوق لدينا تجتمع في مناطق محددة فوق ألسنتا، لكن يبدو أن هذه لا يصف الحقيقة بدقة.
ربما لا تزال تتذكر الرسم التوضيحي للسان من أيام الدراسة، حيث يظهر اللسان باللون الوردي وعليه مناطق مختلفة تستطيع كل منها تمييز مذاق محدد.
حيث تقع منطقة المذاق المُرّ في مؤخرة اللسان، والمذاق الحلو في مقدمة اللسان، والمذاق المالح على جانبي اللسان باتجاه مقدمته، والمذاق الحامض على جانبي اللسان باتجاه مؤخرته.
ويمكنني حاليا تذكر درسا في مادة علم الأحياء، عندما أعددنا محلولا سكريا وآخر ملحيا، ووضعنا منهما قطرات على مناطق مختلفة من ألسنتنا لتجربة ذلك بطريقة عملية. وفي ذلك الوقت، كان الأمر يبدو منطقيا، لكن اتضح أنه ليس بهذه البساطة التي كنا نتصورها.
وقد ظهر ذلك الرسم التوضيحي للسان في مئات الكتب الدراسية ولعقود متتالية، وأحيانا يُلقى باللوم في هذا الصدد على رسالة أكاديمية كتبها عالم ألماني في عام 1901، يُدعى ديفيد باولي هانيغ.
خرافات وحقائق حول رائحة الفم الكريهة
فقد اكتشف هانيغ، من خلال وضع عينات تمثل كل منها مذاقا مختلفا، فوق ألسنة عدد من الناس، أن ما يعرف بـ "براعم التذوق"، وهي خلايا حسية على شكل تنتشر فوق السطح الخارجي للسان، تختلف من منطقة لأخرى.
وقد توصل هانيغ إلى أن طرف اللسان وجانبيه من المناطق الأكثر حساسية لمذاقات الأطعمة، لكنه لم يزعم أن هذا يتوقف على نوع المذاق نفسه. وعندما نقل هذه المعلومات في شكل رسم توضيحي، كوّن الناس انطباعا أن كل منطقة فوق اللسان مسؤولة عن الاستجابة لمذاق واحد فقط.
ويعتقد ستيفن مانغر، وهو عالم بارز في دراسة حاسة التذوق بجامعة فلوريدا، أن تلك الخريطة التي رسمها هانيغ للسان فُهمت على هذا النحو بسبب تفسير وضعه عالم النفس الشهير إدوين بورينغ.
فقد أجرى بورينغ عددا من الدراسات التي توصف بأنها غير تقليدية وبعيدة عن الملل. ومن بين تلك الدراسات، واحدة أجراها مع زوجته عام 1917. وكانا خلالها يوقظان المشاركين في الدراسة في أوقات عشوائية خلال الليل لمعرفة ما إذا كان هؤلاء الناس يستطيعون أن يخمنوا "كم الساعة الآن" في تلك الأوقات.
وقال الزوجان إن غالبية المشاركين أجابوا إجابة صحيحة بفارق يتراوح من دقيقة إلى 15 دقيقة. وقد ألف بورينغ كتابا عن الإدراك والحواس، تضمن شرحا تفصيليا للمناطق المختلفة للسان والمذاق الخاص بكل منطقة، ورسما توضيحيا للسان يشبه الخريطة، والتي ربما لا تزال تراها إلى الآن في بعض الكتب.
هل بدائل السكر ضارة بالصحة حقاً؟
واليوم، نحن نعلم أن مناطق اللسان المختلفة يمكنها أن تتعرف على أنواع المذاقات الأربعة المعروفة، لكننا أيضا يمكننا أن نجد "براعم التذوق" في أماكن أخرى، تشمل كامل سطح اللسان، والحلق.
وبالإضافة إلى التعرف على المذاقات الأربعة الرئيسية، يمكن لكل برعم من براعم التذوق أن يتعرف على أحدث مذاق كشف عنه مؤخرا، وهو المذاق الخامس الذي يعرف باسم "الأومامي"، وهي كلمة مشتقة من اليابانية وتعني "طعم لاذع ولذيذ".
ولا تُميز هذه المذاقات الخمسة بطريقة واحدة، فمنذ فترة طويلة، كان هناك افتراض بأن المستقبلات الحسية الموجودة داخل براعم التذوق يمكنها التعرف على أي مذاق ممكن، لكن هذه الفكرة رفضها تشارلز زوكر، مدير أحد المعامل الطبية التابعة لجامعة كاليفورنيا في سان دياجو.
وعلى مدار سنوات من العمل، تمكن زوكر وزملاؤه من تحديد المستقبلات التي تميز المذاقات، الحلو، والمر، والحامض، والأومامي، غير أن المذاق المالح كان يعرقل الفريق عن إكمال عمله. وفي عام 2010، نجح الفريق في التوصل إلى تلك المستقبلات المسؤولة عن المذاق المالح.
فهناك رسائل خاصة بكل مذاق تُرسل إلى الدماغ من خلال خلايا عصبية تعرف باسم الأعصاب القحفية، وهناك عصب منها في مؤخرة اللسان، وآخر في مقدمته.
وقد أظهرت الدراسات أنه حتى لو خدر العصب الأمامي في اللسان، سيظل بإمكاننا أن نميز المذاق الحلو، الذي يقع مركزه في طرف اللسان.
هل يمكن أن تعيش على نوع واحد من الطعام؟
ومن المعلوم أن لدينا نحو 8,000 برعم للتذوق، والتي يحتوى كل منها على مزيج من هذه المستقبلات الحسية، التي تسمح له بالتعرف على أي من هذه المذاقات الخمسة.
وكان هناك غموض أيضا بشأن كيفية فك الدماغ لشفرات هذه الرسائل التي ترسل عبر الأعصاب القحفية. لكن في عام 2015، توصل فريق بحثي من جامعة كولومبيا إلى أن الفئران لديها خلايا دماغية خاصة تستجيب لكل نوع من أنواع المذاقات المختلفة.
ولذا، يمكننا القول إننا نمتلك أجهزة خاصة لكل مذاق، لكن بدلا من أن نقصرها فقط على مجموعة من براعم التذوق المجتمعة في منطقة محددة من اللسان، يمكننا أن نعتبرها أجهزة تضم مستقبلات خاصة في اللسان، لها خلايا عصبية متوافقة معها في الدماغ، وكل منها يتناغم مع مذاق معين.
ويمكن للمناطق المختلفة في الدماغ تذوق أي شيء، لكن بالرغم من أن بعض المناطق لديها حساسية أكبر قليلا لمذاقات معينة، فإن هذه الاختلافات "صغيرة جدا"، كما يقول ستيفن مانغر.