بعد تطورات مختلفة نفذ رئيس إقليم كردستان العراق استفتاءه المزمع تطبيقه في المناطق الكردية، واعتبر الاستقلال من الحقوق الشرعية التي يفتقدها المكون الكردي.
رغم أن السلطات في بغداد وكثير من من الدول الجارة والمسئولين في الأوساط العالمية قد رفضوا باتا إجراء هذا الاستفتاء إلا أن بارزاني يبدو قد اتخذ قراره الأخير في الإمساك بالانفصال عن الوطن العراقي.
برأينا لا يمكن تحليل هذا التطور غير المبشر بالخير في إطار نوايا قومية كردية فحسب بل يجب أن نصهر المعلومات المختلفة في بوتقة السياسية الخارجية التي تتبناها الدول الغربية لتفكك العالم الإسلامي واستنزاف طاقاتها السياسية والاقتصادية وزجها في دورة لا تنتهي من الصراعات الطائفية والقومية كما نتوقع كأول توقعاتنا في هذا المقال أن بارزاني بدوره سيتم الإطاحة به عن طريق الاغتيال أو التهميش كونه ورقة رابحة ستنتهي يوما ما صلاحية استخدامها.
نذكر القارئ المحترم بقول وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق كوندوليزا رايس حيث قالت في تصريحات شهيرة وهي تتحدث عن العدوان الإسرائيلي على لبنان سنة 2006: "نحن أمام مرحلة جديدة.. مرحلة الشرق الأوسط الجديدة.. فلا بد أن نمر بمرحلة آلام مخاض الولادة المؤلمة". هذا الكلام قيل عندما كانت الولايات المتحدة مزهوة لاحتلال كابول وبغداد وكانت تعد نفسها للانقضاض على جميع الأطراف الشرق الأوسطية المعارضة لسياساتها إلا أن هذا الحلم الأمريكي لم يتمخض عن آمال تحدو البيت الأبيض وبفشل العملية العسكرية الإسرائيلية اضطر الأمريكان إلى مراجعة أوراقهم من جديد للانخراط في مرحلة جديدة من السياسات المؤدلجة ضد دول الشرق الأوسط.
وبعد ما هب بسوريا من الدمار والحرب الأهلية رأى الاستراتيجيون الأمريكيون آن الأوان للحصاد جراء ظهور تنظيم داعش. لا نريد أن نزعم بهذا الصدد أن داعش هو صنيعة أمريكية إلا أن الولايات المتحدة استخدمتها لاحقا كأداة نافعة للإسلام فوبيا ونظرا إلى أن التنظيم يمر بأيامه الأخيرة تحاول السياسة الأمريكية حاليا تمزيق دول الشرق الأوسط وتقسيمها إلى دويلات صغيرة في مشروع نسميها بسايكس بيكو الثانية.
ونحذر في هذا المقال أن ما يجري من الاستفتاء في إقليم كردستان سيكون إطلاقا لهذا المشروع الخطير ونتوقع أن رياحه ستهب أولا بالمناطق الكردية في كل من سوريا (قوات سوريا الديمقراطية) وإيران (الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني) وتركيا (حزب العمال الكردستاني) علما بأن الولايات المتحدة لن تسمح بإقامة كردستان الكبيرة وتفضل إقامة أربع دويلات كردية صغيرة وستكون قصد أو القوات السورية الديمقراطية الداعية الثانية الانفصال الكردي. ونتوقع في المرحلة الثانية من المشروع سنشهد نداءات انفصالية بين الشيعة والسنة والعلويين في كل من العراق وسوريا ولبنان والمناطق ذات الأغلبية السنية في إيران وذات الأغلبية الشيعية في باكستان وأفغانستان إلا أن الولايات المتحدة لن تسمح بإقامة دولة سنية أو شيعية بحتة في باكستان وأفغانستان فمصالحها تقتضي أن تبقى هاتان الدولتان في حالة من الصراعات المحلية والمستنزفة لطاقاتها الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية.
أما المرحلة الثالثة ستكون أصعب بالنسبة للمملكة العربية السعودية فالولايات المتحدة وبعد التخلص من سائر دول الشرق الأوسط العظمى لن تسمح ولن تتحمل وجود دولة بحجم المملكة العربية السعودية وستكون المملكة آخر ضحية لهذه الخطوة الإمبريالية، حيث سترتفع نداءات الانفصال في كل من الأحساء والقطيف والحجاز وذلك لما آل إليه أمر المملكة من الاستقطابات القومية والطائفية والسياسية وأخيرا وبفضل الاعتراف الكردي القادم بإسرائيل ستتمتع إسرائيل بالمزيد من الشرعية في منطقة الشرق الأوسط.
ونظرا إلى الصراعات الأرضية المحتدمة أو الكامنة بين دول الشرق الأوسط والخلافات القائمة على قضية المياه المشتركة (كما نرى مثالا على ذلك الخلافات الموجودة بين تركيا والعراق) نحذر في هذا المقال أن التحدي الرئيس في المنطقة ليست بالتأكيد مشكلة طائفية ومذهبية بل المشكلة الحقيقية تعود إلى أجندة غربية لا تميل إطلاقا إلى استقرار دول الشرق الأوسط إلا بشريطة تأمين إسرائيل فبالتالي تقوم بتضخيم الخلافات القائمة بين الشيعة والسنة وبث نيران الصراع بين القوميات المختلفة لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية جديدة.
وأخيرا يجب أن نسأل متى ستصحو أمتنا العربية والإسلامية من غفلتها وهل يأتي يوم يجتمع فيه أبناء محمد حول طاولة الحوار للتصدي للخلافات والإمساك بدفة المصير بعيدا عن المخططات الصهيونية والأمريكية؟