كان الشاعر الضرير بشار ابن برد يتعرض في شعره للناس فيشكونه إلى أبيه برد، و هو مولىً لبني عقيل بن كعب كان يعمل طيّاناً، فيرد عليهم: ألم يقل الله في محكم تنزيله أن “ليس على الأعمى حرج”؟!. فينصرفون عنه و هم يرددون حنَقاً: لفقهُ برد أغيظُ لنا من هجاء بشّار.
تذكرت تلك الطُّرفة الأدبية و أنا أقرأ تدوينة النذل احميده ولد اباه، مستشار ولد عبد العزيز المكّلف بشؤون المكلّفين و القاصرين من عائلته، و المخوّل دون غيره تغيير حفاظات الطفل حمزة إبن الراحل أحمدّو من السلوفاكية التي استولت على أربع مليارات دولار من أموال الشعب الموريتاني Magdalena Kralovicova.
لقد أبعد النذل احميده النجعة في الحض على حفظ الأعراض و صونها، و الغض عن العورات و تتبعها، خصوصا و قد تتلعت الأعناق و أشرأبت إلى عرفة، يوم الجمعة، يوم الحج الأكبر، مذكّرا برقيب و عتيد و منكر و نكير، فصَدَقنا النذل و هو كذوب.!
تذكرت أنشودة أحمد شوقي:
برز الثعـــــــــــــــــلب يوماً.. في شعار الواعظينا
و مضى في الأرض يهدي.. و يســـــــبّ الماكرينا
فمن يصدّق أن النذل الذي تنصت على هواتف المواطنين، و أفضى إلى خصوصياتهم، و سجل مكالماتهم، و قرصن إيميلاتهم و حساباتهم الشخصية، بدءً بمقاتلي القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي حتى نشطاء مواقع التواصل الإجتماعي، هو من يخرج علينا واعظاً، يحاضر و هو ”الذي لا يحاضر“ عن مساويء الغيبة و النميمة و محارم اللسان.. و يسوق مواعظ يلين لها قلب الحجر الصلد، و هو الذي لن يتعظ و لو سقط نصفه.؟!
إذا كان للنذالة جسم يمشي على رجلين فلن يكون غير الحَمِيتَ الدسم الأحْمَس احميده ولد اباه..
و لو كان للقذارة أن تتجسد لما وجدت أنسب لعفونتها من النذل أحميده..
و لو استطاعت المخازي أن تتشكل على صورة بشر لكان احميده ابن بجدتها..
الرجل لا يملك من الذكاء إلا ما يتتبع به العورات، و لا من العقل إلا ما لا يعُقله عن الزلات.. فهو رجل التجسس و التحسس.. رجل علاقات ولد عبد العزيز المشبوهة مع عصابات المخدرات و الجريمة المنظمة.. و جذيل فضائحه المحكك و عذيقها المرجب.. هو من زرع الأجهزة للتنصت على سيدي ولد الشيخ عبد الله في قصر المؤتمرات، و هو من ركب جهازا في مؤخرة شيخنا ولد القطب لتسجيل الحديث الذي دار بينه و نادية بنت باب ولد سيدي عبد الله، و هو من استجلب ليلا هواتف السيناتور محمد ولد غده من روصو فسرّب خصوصياته، و نثّ بينه و زملاءه، و بث بينهم النميمة و الوشاية.. و هو من أنفق بأمر سيده (بل سيئه) مئات الملايين من أموال الشعب الموريتاني على اقتناء أجهزة التنصت و برامجه.. و هو المؤتمن على تهيئة الليالي الحمراء، التي لطّخوا بها كل شيء حتى العلم الوطني.
ثم تحدث النذل في تدوينته عن ”تواضع رئيس الفقراء و بساطته“، و هو من تكذبه بذلاته من فرانسيسكو سمالتو، و نظاراته من لويس فرانسوا كارتيه التي يربو سعرها على ثلاثة آلاف دولار، و ثلاثون قلماً من مون بلان تتراص في محبرته لا يقل سعر واحد منها عن ألف يورو، و دراريعه التي يتبجح افيل ولد اللهاه في مجالسه بأنه يصرف في خياطتها و في صباغتها في باماكو ما يربو على مائتي ألف أوقية.
أرئيسُ الفقراء من يأكل الغرَث أمعاء مواطنيه، و هو يدفع ٣٥ ألف يورو مقابل جناح ملكي في فندق George V بباريس لمواطنة تونسية تدعى ”سُمية“ تربطه بها علاقة مشبوهة،.؟!
ربما تعني التواضع في الرأي و البساطة في النظر.. التواضع في المبادىء و البساطة في الأخلاق.. التواضع في المسؤولية و البساطة في الأهلية.. فليتأخر إذن حيث أخره الله.. حيث لئام الناس و رعاعهم و حثالتهم.. حيث قاع المجتمع و حضيضه.
أما مواعظ النذل احميده فهي كما قال الشاعر في أحمد بن طولون:
سَمِعْتُك تَبْنِي مَسْجِدا مِنْ خِيَانَة ٍ و أنت بحمد الله غير موفــــــــــــــق
كمطعمة الأيتام من كدِّ فرجـــــها لَكِ الوَيْلُ، لا تَزْنِي، و لا تَتَصَدَّقي
تقدمي