النشاط الرسمي الأول من نوعه ل"منسقية رفض التعديلات الدستورية" حمل عدة ملاحظات حول الأساليب المتبعة والأهداف المتوخاة والمعاني الأساسية للعمل السياسي.. فماهى استيراتيجية هذه المنسقية وأهدافها؟ ومامدى قدرتها على توحيد الموريتانيين حول العمل السياسي فى المراحل المقبلة؟
تكونت منسقية رفض التعديلات الدستورية من أطياف سياسية متناقضة فى أهدافها وأساليبها ومرجعياتها الفكرية ومدارسها السياسية وقد تشكل هذا الكشكول غير المتجانس فى وقت وجيز وتحت تأثير لحظة سياسية حرجة من تاريخ البلاد، وخرجت يوم أمس مسيراتها المتعددة المسالك ،ووصلت ساحة ابن عباس العتيدة، وبدأت فى توجيه رسائلها السياسية التى كشفت عن مدى قدرتها على توحيد الخطاب وتنسيق الجهود نحو هدف محدد .
- المكونات الأساسية للتنسيقية ظهرت على خلفية اللافتة الكبيرة التى استظل بها القادة وضمت: تكتل القوى الديمقراطية والمنتدى وأحزاب إيناد والصواب والوطن والتجديد ومنظمات انعتاق(إيرا) و(أفلام) ومنظمة مدنية رافضة للتعديلات .وكان باديا أن رموز هذه المكونات وضعت من اليمين إلي اليسار مرورا بالوسط فى تجسيد غير دقيق لخلفيات المكونات بين التطرف والاعتدال وعلى المنصة جلس قادة المكونات مع ملاحظة غياب الزعيم أحمد ولد داداه (الذي يحضر مؤتمر الاشتراكيين) وبيرام ولد الداه ولد اعبيدى- لكن ذكرهما تردد على لسان نائبيهما - وتم تمثيل الشيوخ على المنصة وتكررت الإشادة بدورهم...
- إذا كان ذلك هو الوصف الخارجي للمشهد فإن الملاحظات هي بيت القصيد فى هذا المقال وقد خرجت من حضور المناسبة بالملاحظات التالية:
- مستوي الحضور للمسيرات كان أكبر وأعظم من الحضور للمهرجان؛ فنسبة كبيرة من المشاركين فى المسيرات عادت أدراجها بعد أن بدأت الفعاليات بقليل..
- لم يكن حضور مناصري حزبي التكتل (بدرجة أكبر) وتواصل قويا كعادة الحزبين فى الحشد للمهرجانات الهامة
- على مستوي التنظيم كان جيدا بالمقارنة مع كل المسيرات التى تنظم فى العاصمة من أي طرف كان
- التفاعل مع الهدف الأبرز (رفض التعديلات) كان قويا ومعبرا
- على مستوي الخطاب تسللت عبارات الذاتية والخصوصية السياسية ووجدت المشاعر مساحة وإن كانت ضيقة (توقيت المداخلات كان قصيرا) إلا أنها نبهت إلى تناقض كبير فى الأهداف والوسائل.
إن قراءة هذا الحدث الأول من نوعه الذي يجمع من جهة كل تناقضات الوطن ويوحدها حول هدف رفض التعديلات الدستورية، ومن جهة يقرب أشد المتخاصمين من بعضهم ولو على مقاعد المنصة، إن هذه القراءة لايمكن أن تغفل مستوى التكتيكات الواضحة لدى كل الأطراف؛ فمن أخلص معاوني معاوية ولد الطايع إلي فرسان التغيير! إلي الحركيين اليساريين! إلي الإسلاميين!إلي القوميين بكل فئاتهم ! ومن أقصي اليمين والاعتدال !إلي أبعد التطرف واليسار!! جلس الكل محاولا إخفاء أجندات سياسية وفكرية متعارضة ..
إن الواضح من هذا المشهد هو أنه يخفى من التعقيدات أكثر مما يظهر من التماسك والانسجام وأن من كان يهاجم بأشد الألفاظ – وقاحة- رموزا سياسيين هو الآن يجلس معهم على طاولة واحة ويتقاسم معهم هما مشتركا ..
لقد خاض النظام الحالي هذه التجارب مع نفس المكونات وكانت الانتقادات قوية من المعارضين بعدم جواز التحالف مع "الشيطان" ولو فى سبيل "الجنة" ومع ذلك حقق النظام أهدافه الميكيافيلة من التحالف مع التكتل ومع الفرسان ومع تواصل ومع التحالف الشعبي ومع إيرا وأفلام !! وهاهي المعارضة الديمقراطية تخترق الحواجز وتدخل على النظام ساحة ملعبه وتستخدم ذات الأدوات التى لعب بها و لايزال!! فهل أجبر النظام المعارضة على ذلك ؟ أم أنها واعية بخطورته ومدركة لمآلاته؟
الحاج ولد المصطفى