ظهر ولد عبد العزيز في صلاة العيد و قد لاث لثامه حتى بدا أقرب إلى عود ثقاب منه إلى إنسان محترم..
لعود الثقاب أيضا لثامه من الكبريت، الذي يشعل الحرائق فتأتي على الأخضر و اليابس، تماما كما أشعل هذاالوغد الملثم البلاد و العباد، فأهلك الحرث و النسل..
اللثام عادة بدوية، ألفها رجال الصحراء الأشداء، الذين يضربون عراض الصحاري لا يهابون غضبها و لايخشون انتقامها.. رجال بليت منهم البيد التي يتيه بها القطا، بأنضاء أسفار لا يملون الشر حتى تمل.. لاثوااللثام ليقيهم حر الظهيرة و قر ليالي جمادى، و لكي لا ينظر من يجزّون رؤوسهم من أعداءهم إلى وجوههم،فرغم قلوبهم المقدودة من الصخر الأصم، فلا يزال يغلبهم الحياء:
لما حووا علياء كل فضيلة غلب الحياء عليهم فتلثموا
كان أجلاف الصحراء هؤلاء يمجدون إراقة الدماء، و رغم ذلك فقد كانت لهم أرواح صافية و ضمائر شفافة..فتلثموا خجلاً من ضحاياهم أن يكتشفوا أنه في قرارات نفوسهم صراع أبدي بين الخير الفطري و الشر الذيفرضته الظروف، فهو لثام أشبه بدس النعامة رأسها في التراب حين ترى شراً قادماً، مقتنعة أنه لن يراها مادامت لا تراه.
و لكن لماذا أحكم ولد عبد العزيز لوث عمامته في عيد الفطر؟!
سيقول من يحكمون بالظواهر إن المساحيق التي يلوك بها جلده الذي يغزوه البياض كما يغزو قلبه السواد، لاتتحمل أشعة الشمس الحارقة، فقناعه إذن ضرورة طبية.!
أما أنا فأعتقد أن هذا اللص الذي سرق حتى الكحل من عيون المهى، و حمى تجار المخدرات و عصاباتالجرائم المنظمة، و قايض مافياهات أكرا بضائعها من الدولار المضروب، و باع كل شيء حتى علاقاتهالدبلوماسية، لم يعد يستطيع النظر إلى وجوه مواطنيه الحانقين، خِزياً لا حياءً، فلا حياء لأمثال الجنرال الأرعن.
هنالك شيء في صدور قطاع الطرق يقول لهم حين يدخلون المدن و القرى و يمشون في أسواقها و شوارعها:إحذروا حتى لا تقابلون ضحية من ضحاياكم.. إحذروا.. و عليكم بليّ العمائم بإحكام.. نهايتكم أن يتعرف عليكممن سرقتموه.
هكذا أيضا يتحكم هذا الخوف السرمدي في دواخل الجنرال عزيز: كل الموريتانيين أصبحوا يعرفون أنه سارقأكل المقّدد و الغريض، فهو يتهيب نظرهم إلى وجهه، تماما كما صوّر الراحل حبيب ولد محفوظ خوف ولدالطائع من أن تنفجر عجلة سيارته و هو في وسط مدينة نواكشوط فيتنادى عليه الفقراء و المهمشون يمزقونهو يسحلونه.. نفس المشهد الرائع الذي تخيّله حبيب ولد محفوظ حدث لمعمر القذافي، معبود إسحاق الكنتي قبلأن يرى شمس ولد عبد العزيز بازغةً، فيقول: هذا ربي، هذا أكبر (اللهم ألحِق معبود الكنتي الثاني بمعبودهالأول).
لن يقول ولد عبد العزيز ما قاله سُحيم بن وثيل الرياحي:
أنا ابن جلا و طلّاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني
فإنما هو قلاع ثنايا، و جدّاع أنوف، و صلّام آذان، و الموريتانييون يعرفونه، حتى و إن لم يضع لثامه، لصاً لايشق له غبار، و سارقاً لا يملّ النهب و الاختلاس.. و لهذا فقد اغتمّ فاعتمّ بمجرد أن صاح به أولاد لبلاد فيأغنيتهم الأخيرة: سارق… سارق.
ما لا أشك فيه هو أن ولد عبد العزيز إنما يغطي بعمامته ما تغطيه نمير و أبو دلامة بعمائمها:
تغطي نمير بالعمائم لؤمها و كيف يغطّي اللؤم لي العمائم
تقدمي