يتسبب عزل دول عربية قوية لقطر في تعميق الانقسامات بين حلفاء الجانبين الذين يتنافسون في حروب وصراعات سياسية من ليبيا وحتى اليمن. ويعقد الخلاف مساعي إرساء الاستقرار في دول ترزح تحت سنوات من الاضطرابات ويقوض فكرة عالم عربي إسلامي سني متحد ضد الإرهاب وإيران كما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال زيارته للرياض الشهر الماضي.
والخلاف أحدث فصل في معركة إرادات بين إسلاميين سياسيين وحكام عرب تدور رحاها في المجتمعات المسلمة منذ عقود.
ومنذ احتجاجات الربيع العربي عام 2011، التي كانت تطمح للإصلاح الديمقراطي لكن تحولت إلى حروب في عدد من الدول، برزت مصر والإمارات بشكل خاص كخصمين رئيسيين لجماعة الإخوان المسلمين المدعومة من قطر.
وبعد أن قطعت السعودية ومصر والإمارات العلاقات مع الدوحة يوم الاثنين متهمين إياها بدعم متشددين وإيران حذا حلفاء في المنطقة حذوهم ونبذوا خصوما محليين بوصفهم عملاء لقطر الأمر الذي يقوض مساعي المصالحة التي تقوم بها قوى أجنبية.
وقال المحلل اليمني فارع المسلمي “الوضع برمته أصبح حرجا للغاية. قطر وخصومها الكبار يتعاركون مع بعضهم بعضا لكن بشكل غير مباشر وعلى أراضي الآخرين”.
وأضاف قائلا “تصاعد فوضى عربية داخلية بهذا الشكل وتزايد تعقيدها يظهر بما لا يدع مجالا للشك أن العالم العربي بعيد كل البعد عن حل قضايا مثل قضية فلسطين أو العراق أو حتى العلاقات مع إيران”.
وفي ليبيا برزت الإمارات وقطر، اللتان لعبتا دورا مهما في دعم معارضين خلال الانتفاضة التي أطاحت بمعمر القذافي في 2011، كخصمين على الساحة بمصالح ورؤى متضاربة.
وتدعم الإمارات ومصر القائد العسكري خليفة حفتر المناهض للإسلاميين والذي عينته حكومة وبرلمان متمركزان في الشرق بينما تدعم قطر وتركيا فصائل منافسة تميل للإسلاميين في غرب ليبيا.
وفي اليمن، الذي يعيش صراعا منذ أن بدأت السعودية حملة جوية في 2015 ضد جماعة الحوثي التي تسيطر على العاصمة، يعارض مجلس انفصالي في الجنوب تمده الإمارات بالسلاح الحكومة المعترف بها دوليا لأنها تضم جماعة الإخوان المسلمين المدعومة من قطر.
وقطع المجلس والحكومة اليمنية المدعومة من السعودية العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة رغم الروابط الوثيقة مع قطر لسنوات.
وقامت الحكومة الليبية والبرلمان المتمركزان في الشرق والمتحالفان مع حفتر بالشيء ذاته.
وقال محمد الدايري وزير الخارجية في حكومة شرق ليبيا لرويترز “نحن على قناعة بأن الدول المعنية في الخليج ومصر ستضغط حتى تغير بشكل جذري سياسات قطر المشينة”.
ووضعت السعودية والإمارات ومصر والبحرين أسماء خمسة ليبيين على قوائم الإرهاب بينهم المفتي الصادق الغرياني في طرابلس وهو شخصية مؤثرة بالنسبة للفصائل المعادية لحفتر في غرب ليبيا. كما أدرجت أسماء سرايا الدفاع عن بنغازي وهي جماعة تحاول إحياء المقاومة المسلحة ضد حفتر منذ العام الماضي.
* هل حان وقت الانسحاب؟
على مدى سنوات حملت قطر أكبر من ثقلها بكثير فيما يتعلق بالشؤون الدولية بإدخال ثروتها الهائلة من الغاز كعامل نفوذ في المنطقة وأثارت استياء الإمارات والسعودية بمواقفها المستقلة ودعمها للإسلاميين.
ويبدو الآن أن جيران قطر الأقوياء يطالبونها بالانسحاب من هذه الصراعات.
وقال بيتر ساليسبري وهو محلل في مؤسسة تشاتام هاوس “الرسالة الآن هي أنه قد حان الوقت لكي تنسحب قطر من المنطقة وألا يكون لها بالأساس سياسة خارجية مستقلة”.
وأضاف قائلا “يبدو أن السعودية والإمارات لن ترضيا حتى تُجبرا قطر على وقف تمويل الجماعات التي لا يحبانها.. الإخوان المسلمين وحماس”.
لكن هذه المطالب تأتي في وقت وُضع فيه حلفاء قطر بشكل كبير في موقف الدفاع.
وبدعم من السعودية والإمارات أطاح قائد الجيش المصري السابق والرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي بالرئيس الإسلامي المنتخب المتحالف مع قطر محمد مرسي في عام 2013 بعد احتجاجات ضده بالشوارع.
كما أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الفلسطينية، التي يعيش بعض قادتها في الدوحة، بعيدة عن قيادة الشعب الفلسطيني مثلما كان حالها عندما اختلفت مع خصومها العلمانيين في حركة فتح عام 2007.
ومن المرجح أن يفاقم الشقاق الخليجي الاقتتال الداخلي بين الفصائل المسلحة في سوريا حيث سلطت الأضواء على المنافسة بين السعودية وقطر منذ المراحل المبكرة للأزمة.
*”انقسامات”
قد يكون أصدقاء قطر الذين يملكون فرصة معقولة للقيادة في ليبيا واليمن أكثر من لديهم ما يخسرونه نتيجة الخلاف.
ويصور حفتر نفسه على أنه عدو التطرف كما أصبح الشخصية المهيمنة في شرق ليبيا منذ أن شن حملة ضد جماعات إسلامية ومعارضين مسلحين سابقين في بنغازي قبل نحو ثلاثة أعوام. ويشتبه كثيرون في أنه يسعى لحكم البلاد.
ويعتقد أنصاره أن الخلاف مع قطر يبرر موقفهم المناهض للإسلاميين مع تحقيق حفتر مكاسب وتعثر حكومة طرابلس المدعومة من الأمم المتحدة والتي يرفض الاعتراف بها.
وأي تشديد في موقف معسكر حفتر قد يعقد مساعي الوساطة التي تبذلها تونس والجزائر جارتا ليبيا إلى الغرب واللتان تضغطان من أجل حل يشمل الجميع.
رويترز