كلما تأملت فيما نأكل من مشتقات الحبوب (قمحا و شعيرا و ذرة و غيرها كالأرز حتى) و من زيوت النباتات على اختلافها (زيتونا و فستقا و عباد شمس و غيرها) و كل الفواكه (موزا و تفاحا و برتقالا و رمانا و عنبا و غيرها) أيقنت أننا بلا استقلالية عن إنتاج غيرنا التي هي من أسباب قوته و علو مكانته و استتباب أمنه و رغد عيشه و سر منعته... و كلما أمعنت النظر فيما نلبس لستر عوراتنا و ما ننتعل و ما نتغطى به و نحتمي عن لفح الرياح و البرد و الشمس أيقنت بمرارة أننا شعب يستتر بخيوط قماش الآخرين و قد صنعوها و خاطوه بعقولهم و أناملهم و ضمائرهم التي تحب الاكتفاء بالذات... و كلما رأيت أن ما نركبه من سيارات و غيرها و ما نبني به بيوتنا من إسمنت و حديد و ما نستهلكه من لوازمها من وسائل كهربائية و أدوات أخرى يأتينا كله من الخارج لا نصنع منه أدناه أيقنت أننا في الدرك الأسفل من التخلف و أن الذي يطوقنا هو البله و أن لا مبالاتنا تعمينا عن قاتم مستقبلنا.. و كلما رأيتنا نضحك كالخب السعيد و يبدد بعضنا خيرات البلد بلا حساب أيقنت أننا شعب مسكين تكبله ثلاثة.. سيئ ميراث الماضي ... نفاق و تملق الحاضر.. و عمى المستقبل.
ضعف الطبع و غياب الطباعة
عجيب أمرنا.. ندعي العلم الخارق و المعرفة الجامعة المحيطة بتبجح مرضي خطير استحسناه حتى أصبح انطباعا عالقا في الأذهان و اعتقادا شديدا فيما يعتريه ضعف يفقأ العيون في واقع الحال العام.. و لا وجود في طول الوطن و عرضه لدور طباعة تقوم على طباعة و نشر عصارة هذا الرصيد المذهل نظريا.. و لا أثر لمكتبات لائقة تحتوي هذا النشر و تتيحه للقراء من طلبة و باحثين و مهتمين بالعلم و الثقافة حتى يطلعوا عليه و ينهلوا منه... تناقضات من صميم عقلية الماضي القريب لهذا البلد بختم "السيبة" التي هيأت ذات مرة من أهل العلم للهجرة إلى المغرب الأقصى من حيث نهلوا أول وهلة، و إلى المشرق حيث ردوا بنضج أكثر ما كان جاءهم منه أول مرة كذلك كأمهات كتب المدارس المالكية و لا ذكر لنا فيها (المدرسة المدنية و المصرية و العراقية و المغربية و الأندلسية)؛ كتب هي في مجملها مختصر خليل و ابن عاشر، و ، و نص المنهج، و ابن الحاجب و القاسم و أشهب، ثم ألفوا على أنساقها و وضعوا مستنسخات للتميز في التسهيل لا للزيادة في المتن أو النقصان بحسب مقتضيات فقهية، كما كتبوا الشعر على البنية الجاهلية للمعلقات على و من بعد على ما صلهم من الشعر الأموي فالعباسي فعصر النهضة لتصحيح آثار عصر الانحطاط و التي حضر بعضهم تشكل بداياتها. أفلا نتواضع قليلا و ننهل كثيرا من عند غيرنا الذين سبقونا بتواضع و رضا نفس و طبع سليم و سعي حثيث إلى بناء صرح مطبعي عمومي و خصوصي لطباعة منتوجنا العلمي و نشره و توزيعه... و أما غير هذا فرياء و خواء هراء.
مر الواقع... ذر الرماد في العيون؟
و تتواصل الأنشطة النظرية بكثافة في عملية ذر رماد الجد الكاذب في عيون التخلف المطبق حول القضايا كل الثانوية التي لا تشفع بالإعمال التطبيقية المؤثرة في عملية التطور و التحول و الالتحام بمركبة العولمة و الاصطفاف إلى منطق التطور و العلم و العمل البناء... أنشطة تلبي بالأساس مطالب الدول الغربية و تنتزع من البلدان المتخلفة أوقاتا ضرورية للالتفاف على أسباب التخلف... و هي الأنشطة كذلك التي لا تفيد في معالجة قضايا التأخر العلمي و الاقتصادي و التعليمي و الصحي لأنها تَرَفُ الآخرين بعدما أمنوا لأنفسهم أسباب الراحة العقلية بإكتمال متطلبات الرفاه الثقافي الفكري في حضن المادي المؤمن... وقت ثمين يضيع في قاعات الفنادق المكيفة و بين استراحات القهوة و المكسرات إن لم تكن الوجبات الدسمة... و عندما يخرجون بعد اكتمال النشاط الكلامي الورقي المصور يتكشف لهم الواقع الأليم فينكرنه.. فوضى المواصلات، عبث المارة إلى غير هدى في أتون غياب معالم المدنية و التحضر... بداوة طافحة في الكلام و المعاملات و غياب ختم الوطن على أي من أوجه الحياة العصرية.. لا طرق تفي بمتطلب انسيابية الخردة الأروبية و الخليجية... لا أسواق تغص بالمنتوج الوطني و لو في توفير أبسط الحاجات... ولا .... و لا .... و لا... و في الغد يعلن عن موجة جديدة من الأنشطة تمولها جهات أجنبية حول قضايا نظرية... و تتكرر ذات المأساة ؟
الدجاج المستورد بين السدل و القبض
نعلم و لا نريد أن نسمع أو نعرف أن اللحوم البيضاء المستوردة ـ في حل من وخز الضمير الديني و عم عن الوازع الأخلاقي ـ على أيدي تجارنا بترخيص إدارتنا و مباركة جماركنا من البرازيل و غيرها من الدول التي يعتبر تصدير اللحوم الحمراء و البيضاء منها أحد ركائز اقتصادها، تشكل خطرا عظيما على صحة أهل هذا البلد المعتلة في الأصل بما ثبت من تسمين هذه الطيور بمركبات عضوية مسرطنة و مسببة لأنواع كثيرة من الأمراض؛ مركبات يتم إطعامها الدجاج و البط و الإوز بالحشو الميكانيكي القسري. و نعلم و لا نريد أن نعرف أن مابين حرمة هذه اللحوم ـ التي تسافر شهورا عبر المحيطات ـ للإمتناع العرضي عن أكلها وجوبا و بين تحليلها العرضي لتناولها حلالا من عند أهل الكتاب أو ذبحها بيد"الإنسان الآلي المسلم" لا يساوي في المسافة في الذهن و العمل أكثر من المسافة بين مسألة القبض و السدل... يُسدل للوفاق مع الآخذين به وجوبا و يبسط لذات الوفاق مع المُحذرين من سواه لمخالفته الشرعية البينة.