دشنت الدورة البرلمانية التي افتُتحت مساء الأربعاء بنواكشوط محطة جديدة من الصراع بين طرفي اللعبة السياسية في موريتانيا، كونها تناقش مقترحات دستورية تدعمها الموالاة وترفضها معظم قوى المعارضة.
ويأتي انعقاد هذه الدورة الطارئة التي دعا إليها رئيس الجمهورية عقب "الحوار الوطني الشامل" الذي عقدته الأغلبية الحاكمة وبعض قوى المعارضة ومن بينها حزبا التحالف الشعبي التقدمي والوئام الديمقراطي.
وقد أكد رئيس الجمعية الوطنية (مجلس النواب) محمد ولد ابيليل أهمية هذه التعديلات التي أقرها الحوار، مبرزا أنها "ستفتح المجال لسن تشريعات سيكون لها الأثر الكبير في تطوير الديمقراطية والحكم الرشيد في البلاد".
لكن قوى المعارضة كثفت من حراكها السياسي تزامنا مع افتتاح هذه الدورة، في محاولة للحؤول دون إقرار التعديلات الدستورية التي تتضمن إلغاء الغرفة العليا من البرلمان (مجلس الشيوخ) وإنشاء مجالس جهوية، وتغييرات في رموز الدولة مثل النشيد والعلم الوطنيين.
ففي مؤتمر صحفي بالعاصمة نواكشوط، أعلن المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة أنه ماض في التصدي لما سماه القفز على الأزمة السياسية ومحاولة التغطية على فضائح الفساد في البلد عبر وسائل الضغط الشعبي السلمي.
ويضم هذا المنتدى مجموعة من الأحزاب والشخصيات ومنظمات المجتمع المدني المعارضة.
الرفض القاطع
وأكد القيادي في المنتدى الشيخاني ولد بيبة أن "المنتدى يجدد رفضه الحازم للتعديلات الدستورية العبثية التي يصر النظام على تمريرها ضد إرادة الأغلبية الساحقة من الشعب والطبقة السياسية".
والموقف نفسه عبر عنه حزب تكتل القوى الديمقراطية المعارض في بيان سابق أصدره مكتبه التنفيذي.
كما دعا الحاكمان العسكريان السابقان محمد خونة ولد هيدالة واعلي ولد محمد فال النواب إلى رفض هذه التعديلات، واعتبراها محاولة للتغطية على ما سمياها أزمات اقتصادية واجتماعية طبعت حكم الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
ووفق داعميها، تهدف هذه التعديلات لدمقرطة الحياة التشريعية في البلاد من خلال إلغاء مجلس الشيوخ الذي يتهمه الرئيس بعرقلة إصدار القوانين.
ويقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة نواكشوط النان ولد المامي إن انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ بطريقة غير مباشرة (عبْر أعضاء المجالس البلدية) ظل يفتح المجال أمام استخدام المال السياسي.
غياب التوافق
لكن غياب التوافق بين أطراف اللعبة قد يحدّ من فاعلية هذه التعديلات وتأثيرها في الحياة السياسية، بحسب ولد المامي الذي لم يبد تفاؤلا كبيرا بشأن المجالس الجهوية التي تضمنتها المقترحات.
ويضيف أن "تجربة المجالس المحلية التي عاشتها موريتانيا طيلة العقود الثلاثة الماضية لم تحمل نتائج كبيرة على مستوى تحقيق التنمية المحلية".
ويقول المحلل السياسي محمد عالي ولد عبادي إن طرح هذه التعديلات أمام البرلمان في الوقت الحالي لا يعدو كونه محاولة لتحريك الساحة السياسية، "تسعى من خلالها السلطة السياسية الحاكمة إلى جس نبض المعارضة الموريتانية وقياس قدرتها على الحشد وتحريك الشارع"، خاصة مع اقتراب نهاية المأمورية الثانية والأخيرة للرئيس محمد ولد العزيز، بحسب الدستور الموريتاني.
ويرى ولد عبادي أنه على عكس الدعوات التي أطلقها ولد هيدالة وولد محمد فال، اللذان "لا يملكان خلفية شعبية"، فإن طريقة التعامل مع قضية التعديلات ستكون حاسمة بالنسبة للمنتدى والتكتل، و"ستحدد موقعهما في الساحة السياسية وقدرتهما على تشكيل منافس جدي في الاستحقاقات الرئاسية القادمة، وقدرتهما على فرض أجندتهما السياسية ورؤيتهما للشأن العام".
غير أن حالة الانقسام التي تعيشها المعارضة الموريتانية ومشاركة أحزاب ذات تمثيل معتبر في البرلمان في الحوار الذي أقر مقترحات التعديل تشكل -بحسب ولد عبادي- نقطة قوة طالما استغلتها السلطات الحاكمة لتمرير مخططاتها السياسية، وآخرها الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي قاطعها المنتدى والتكتل.
الجزيرةنت