قد يكون منظمو ندوة “دور المثقف ألمغاربي في تحقيق الحلم ألمغاربي” نسوا أو أغفلوا غير متعمدين أن عالم اليوم هو عالم التكتلات الكبرى بامتياز و التي تجاوزت قطرية الطموح إلى فرضية الاستفادة من التجمعات الكبرى ما حدا، خلال القرنين الأخيرين، بالعديد من الدول أن تختار السير في هذا الاتجاه باعتباره السبيل الأمثل بالنسبة لها لتلبية جملة من الضرورات والاحتياجات و الانتظارات فرضها واقع التحديات الداخلية والخارجية و الأمنية و الاقتصادية.
و لو أن منظمي الندوة من رابطة تجمع الصحافة الموريتانية و مؤسسة إبداع المغربية أعدوا ورقة تعالج ـ بلغة السمو عن "الماورائيات" التقليدية المقيدة لجميع مساعي دول المغرب العربي ـ محورَ اعتبار "المقومات البشرية والطبيعية والثقافية والاجتماعية والتاريخية" للفضاء المغاربي الشاسع بمقدراته البشرية الهائلة في تنوعها الثقافي المثير و عمق و غنى خلفياتها التاريخية و الحضارية الأخاذة من جهة، و الاقتصادية الكثيرة المصادر بتنوعها الكبير من جهة أخرى، لكانوا قد وضعوها جملة في سياقها السليم و ضمن المنتظر جنيه من توافق يصدر عن المثقفين حول السبل الكفيلة بتحقيق الحلم. و كأن الجهتين المنظمتين الموريتانية و المغربية لم تحضرا جيدا للقاء هؤلاء "مثقفين" في ندوة بحجم طموحات الشعوب في خمس دول غاب تمثيل بعضها عن الندوة. و على الرغم من أن هذا لا ينتقص شيئا من قيمة فكرة الندوة السامية و جوهر هدفها المعلن إلا أنها اتسمت في مجملها بـ:
· ضعف التنظيم،
· إجحاف في توزيع وقت المداخلات،
· انتقائية في اختيار المتدخلين،
· تحديد شبه قسري للمحاور،
· توجيه النقاش عنوة،
و هي في عمومها الأمور التي ألقت بظلالها القاتمة على أهداف الندوة المعلنة و منعت الوصول إلى مخرجات نهائية، و كادت توحي للبعض بمحاولة حشر التناول في زاوية "ضيقة" و كأن وراءها جهة غير معلنة لتنظيمها حددت الهدف منها سلفا و رسمت المنهج المتبع لبلوغ ذالك.
و مما لا شك فيه أن التداخل بين "غرض" ضيق و "إنتقائية" شديدة و "توجيه" بين للحديث باتجاه "محاور" دون "أخرى" هو الذي أضعف منسوب الكلام البناء حول دور المثقف الذي بدا هو الآخر مصطفا تلقائيا إلى وجهات نظر و مواقف تقليدية تصب جميعها في خانة "الملفات الخلافية" المزمنة التي ما فتئت تشكل العائق الأكبر و حجر العثرة الكأداء أمام تحقيق حلم الشعوب المغاربية و بعيدا عن التركيز الذي كان منتظرا بإلحاح على المقومات البشرية والطبيعية والثقافية والاجتماعيةوالتاريخية، ذلك الحلم المشروع الجميل الرامي إلى تحرير فضائها الكبير - القابلللتمدد - حتى يمارس أهلهُ في رحابه كما تفعل كل التكتلات من حولهم و في العالم حياة العطاء في شمولية الثقافة و الاقتصاد و التجارة و الفن و جميع أوجه التنمية الجديدة الأخرى التي أصبحت رابطا قويا بين بلدان العالم المتطور بتوازن و شعوبه المتحضرة و قد نبذت الخلافات التي ولى زمنها و تراجعت عقلياتها المتخلفة.
و بالطبع فإن مسألة الصحراء طغت منذ أول وهلة على تعقيبات المتدخلين من المشاركين التي أعقبت إلقاء المحاضرة؛ تعقيبات اتسمت بحدة غيبت لب العنوان و أحيت شياطين السياسة الموقفية و الدوغماتية الإقصائية للرأي الآخر حيث خرجت الندوة عن سياقها الحيادي و سموها لتحقيق أهداف تخدم وحدة الرؤى و قصدها المثبت في العنوان من خلال دور المثقف ألمغاربي في تحقيق حلم الشعوب.
و على الرغم من كل ذلك فإن المحاضرة التي ألقاها الدكتور محمد الأمين و لد كتاب كانت وضعت منذ البداية الموضوعَ في سياقه الأكاديمي الصرف و السياسي المتاح و السوسيولوجي "الركيزة" بتجرد المثقف و نضج نظرته المترفعة عن الموقفية المبتذلة و الغرضية و عن التخندق و التعصب لرأي مسبق، الأمر الذي كان يذكره و ينساق إليه من حين لآخر بعض المتدخلين الأكثر إنصافا و الأقل حدة فيلامسوا جملة من مواقف الحياد و يجاروا نقاط فكر التحليل السليم للمعطيات الواقعية إلى مراقي التوافق على الأساسي و الضروري من أجل تقدم حثيث إلى الأهم حول الأهداف الكبرى التي يرتكز عليها الحلم المغاربي.