فيما تحاول شركات الطيران مواكبة التكنولوجيا المتغيرة بإستمرار، أثار استخدام الهاتف الخلوي على متن الطائرة جدلاً شديداً. ومن الإجراءات الاعتيادية في الرحلات الجوية، أن يضع الركاب هواتفهم على نمط "الطيران". ولكن ماذا يحصل في حال لم تتّبع التعليمات؟ للأسف لا إجابة واضحة في هذا الخصوص.
المشكلة الحقيقية
فلنتناول أولاً جزءاً من البحث الأولي. في الواقع، عندما تكون على ارتفاع أكثر من 10 آلاف قدم في الجو، ترتدّ إشارات الهواتف على أبراج متعددة وبالتالي ترسل إشارة أقوى، ما قد يؤثر على السلامة. هذا التشابك بين الإشارات المتعددة قد يزحم الشبكات الأرضية. ولكن لم يحصل يوماً أن تحطّمت طائرة بسبب استخدام هاتف نقال أثناء تحليقها. وفي هذا السياق، أشار كيني كيرشوف، وهو مهندس سابق في شركة بوينغ، إلى أنّه ليس بالضرورة أن يتسبّب الهاتف الخلوي بإسقاط طائرة، فالمشكلة الحقيقية تكمن في تداخله مع الطائرة وزيادة ضغط العمل على الطيّار خلال مراحل حرجة في الرحلة تتطلّب تركيزاً كاملاً منه مثل الانطلاق والهبوط.
شبكة خلوية جوية
ولكن مع تقدّم التكنولوجيا الحديثة، أصبحت هذه المخاطر من الماضي. في الحقيقة، في العام 2014، صرّحت وكالة سلامة الطيران الأوروبية (النسخة الأوروبية من ادارة الطيران الفيدرالية FAA)، أنّ الأجهزة الإلكترونية لا تشكل أي خطر على سلامة الطائرة، ويبقى على شركات الخطوط الجوية أن تثبت أنّ أنظمتها لا تتأثر بإشارات الهواتف المحمولة.
وقد خضعت شركات طيران متعددة لهذا التقييم وسمحت بإجراء اتصالات أثناء الرحلة، من خلال شركات الشبكة الخلوية الجوية مثل AeroMobile وOn Air، علماً أنّ هذه الشركات تتعامل مع خطوط جوية مهمة مثل الإمارات وفيرجن وبريطانيا و27 غيرها على الأقل. وتجدر الإشارة إلى أنّ On Air متّصلة بأكثر من نصف طائرات A380 في العالم.
الرسائل الصوتية محظّرة
لكنّ FAA ما زالت تمنع تبادل الرسائل الصوتية على الهواتف، ووفقاً لإليزابيث ايشم كوري التي تعمل في مكتب الاتصالات الخارجية / الشؤون العامة في FAA، إنّ قواعد FAA وFCC (لجنة الاتصالات الفيدرالية) تحظّر استخدام كل ما يصدر إشارات عمداً، بما في ذلك تبادل الرسائل الصوتية على الهواتف النقالة. وتضيف أنّه ينبغي على شركة الطيران أن تبرهن أنّ الاتصال الهاتفي لا يتسبّب بتداخل إلكتروني، بل الهاتف بحدّ ذاته هو الذي يفعل.
مع التكنولوجيا... زال الخطر
غير أنّ دراسة أجرتها FAA في العام 2012، أثبتت أنّ سلطات الطيران المدني لم تبلغ عن أي حوادث مؤكدة حول تأثير الهواتف النقالة على سلامة الرحلة الجوية على متن الطائرات التي تتضمّن محطات أساسية للهاتف الخلوي. فهذه المحطات المصغّرة تدعى picocells، وهي تمنح الركاب القدرة على استخدام الهواتف المحمولة بدون التسبب بأي ضرر للأجهزة الموجودة في الطائرة.
وتلفت أليسون ماركي، خبيرة في السلامة الجوية، إلى "وجود إلكترونيات أحدث، محميّة من الانقطاعات". وتضيف: "لا توجد أداة قياس سحرية في قمرة القيادة تكشف وجود هاتف محمول لم يتم إطفاء إرساله أو الواي فاي فيه."
وتوافق FCC على هذه التقنية ، ولكن ما زال من غير الواضح متى وكيف أو إذا كان سيتم السماح باستخدامها. وبحسب ما ذكر على موقعها، إنّ القواعد الحالية التي تمنع استخدام الهواتف المحمولة على متن الطائرة، تمّ اعتمادها منذ أكثر من 20 سنة، لتوفير حماية من التداخل الإرسالي مع شبكات الهواتف المحمولة على الأرض. والتكنولوجيا التي يمكن تركيبها مباشرة على الطائرة أصبحت متوافرة الآن لتمنع تداخلاً من هذا النوع وقد تمّ استعمالها بنجاح في بلدان متعددة في العالم بدون وقوع أي حوادث. هذا قرار تقني بحت، وإذا تمّ اتخاذه، سيسمح لشركات الطيران الحرة بتطوير السياسة التي تريدها لاستخدام الهاتف أثناء التحليق، بطريقة متناسبة مع القواعد المرعية الإجراء".
انزعاج الركاب
ولكن متى سيتحول الاتصال الصوتي أثناء التحليق بالطائرة إلى حقيقة؟ الإجابة محيّرة. والمذكور أنّه "في نهاية المطاف، إذا اعتمدت FCC قواعد جديدة، سيعود القرار إلى شركات الطيران، بالتشاور مع عملائها، إذا كانت ستتيح استخدام البيانات والرسائل النصية و/أو الخدمات الصوتية أثناء التحليق في الجو". وقد عبّرت FCC أنّها "تفهم أنّ الكثير من الركاب يفضّلون عدم إجراء المكالمات الصوتية على متن الطائرة".
وربما هذا هو السبب الأهم لحظر استخدام الهواتف النقالة حالياً على متن الطائرات في الولايات المتحدة. وفي هذا الإطار، تضيف ماركي: "أما في ما يتعلّق باستخدام الهاتف على متن الطائرة، فالتكنولوجيا موجودة لكنّ التردد نابع من المطالبة الشعبية، فالركاب يرون في ذلك إزعاجاً بدلاً من منفعة للسفر. من السيئ بما فيه الكفاية أنّك تجلس بالقرب من أشخاص يتكلّمون بصوت مرتفع مع الركاب المجاورين، وإذا سُمح باستخدام الهاتف أيضاً، قد تكون النتيجة أسوأ من الأحداث المتعلقة بالمقاعد المنحنية التي تم تداولها مؤخراً".
الملف نشرته إيلاف بتصرف